بل انطلق المحقّق من نفس هذه القاعدة لاثبات سلسلة من الصفات الثبوتيّة حيث قال : « ووجوب الوجود يدل على ثبوت الوجود ، والملك والتمام والحقّية والخيرية والحكمة والتجّبر والقهر والقيوميّة » (١).
فقد سبقه إلى ذلك صاحب كتاب « الياقوت » في علم الكلام إذ قال وهو بصدد تنزيهه سبحانه عن الصفات غير اللائقة بساحة قدسه : « وليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا حالاًّ في شيء ولا تقوم الحوادث به وإلاّ لكان عرضاً » (٢).
وإن شئت قلت : إنّ ذاته سبحانه نفس الكمال ، وفوق ما يتصوّر من الكمال ، وليس للنقص إليه سبيل ، فإذا كان كذلك فيجب أن يوصف بكلّ ما يُعدّ كمالاً فينزّه عمّا يعدّ نقصاً ، فالصفات الذاتية صفات كمال لا محيص عن الاتّصاف بها ، كما أنّ الصفات السلبيّة صفات تنزيهيّة طاردة للنقص عن ساحة ذاته فيجب التنزيه عنها ، فإذا كان العلم والقدرة والحياة أوصاف كمال وكانت الجسميّة والتركّب والحالّيّه والمحلّيّة صفات نقص فيجب التوصيف بالاُولى والتنزيه عن الثانية ولأجل ذلك قلنا : إنّ الصفات الثبوتية والسلبية ترجع إلى اثبات أمر واحد وهو الكمال ، وسلب أمر واحد وهو النقص.
وبتعبير آخر لاثبات صفاته وهو أنّ الوجودات الامكانية وجودات متدلّية قائمة بوجود الواجب وما لها من صفات كمال كالعلم والقدرة والحياة ، فالمالك الحقيقيّ لها هو الله سبحانه ، والمعطي لها هو الله سبحانه. قال تعالى : ( للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) فالعلم والقدرة والحياة كلّّها تجلّيات لعلمه وقدرته وحياته ، فإذا كان كذلك فالعلم الأصيل والقدرة الأصيلة والحياة الحقيقيّة لله سبحانه.
__________________
(١) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ص ١٧٨ ـ ١٨٥ ( ط صيدا ).
(٢) أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ص ٧٦ ـ ٨٠ ـ ٨١ ـ ٩٢.