مصالح كبيرة يحقر عنده ما يصاب الإنسان من الشرّ والبلاء.
إنّ هنا كلمة قيّمة للفيلسوف الإلهي صدر الدين الشيرازي يقول :
« واعلم أنّه قد تحيّرت العقول في كون بعض الحيوانات آكلة لبعض ، وفيما جعل الله تعالى ذلك في طباعها وهيّأ لها الآلات والأدوات التي يتمكّن بها على ذلك كالأنياب والمخالب والأظافير الحداد التي بها يقدر على القبض والضبط والخرط والنهش والأكل والشهوة واللذّة والجوع وما شاكل ذلك مع ما يلحق المأكولات منها من الآلام والأوجاع والفزع عند الذبح والقتل ، فلمّا تفكّروا في ذلك ولم تسنح لهم العلّة ولا الغاية والحكمة ، فاختلفت عند ذلك بهم الآراء وتفنّنت بهم المذاهب ، حتى قال بعضهم : إنّ تسلّط الحيوانات بعضها على بعض وأكل بعض لبعض ليس في فعل حكيم بل فعل شرير قليل الرحمة ظلاّم للعبيد ، فلهذا قالوا : إنّ للعالم فاعلين خيّراً وشريراً.
وإنّما لم يقفوا عليها لأنّ نظرهم كان جزئيّاً ، وبحثهم عن علل الأشياء مخصوصاً ، ويمتنع أن يعلم أسباب الأشياء الكلّيّة بالأنظار الجزئيّة ، لأنّ أفعال البارئ تعالى إنّما الغرض منها هو النفع الكلّي والصلاح على العموم وإن كان يعرض من ذلك ضرر جزئي ومكاره مخصوصة أحياناً ، وهكذا خلق الله الشمس والقمر والامطار لأجل النفع والمصلحة العامّة ، وإن كان قد يعرض لبعض الناس والحيوان والنبات من ذلك ضرر ، ولمّا كان الأمر يؤول إلى الصلاح الكلّي كانت تلك الشدائد من جهته صغيرةً جزئيّةً (١).
وبوجه إجمالي القضاء على بعض الظواهر بأنّه شرٌّ ناشئ من انطلاق الإنسان في قضائه على هذه الظواهر من منطلق نفعيّ أناني ، وأمّا إذا نظر إلى تلك الظواهر من زاوية النظام العام فلا يراها إلاّ خيرات ضرورية لتعادل النظام ولازمة لاتّساقه واستمرار الحياة وبقائها.
__________________
(١) الاسفار ج ٧ ص ٩٨ ـ ٩٩.