ومن هنا فإنّ الوالدين اللذين يعمدان إلى تربية ولدهما تربية ناعمة مرفّهة بعيدة عن الصعوبات والشدائد ، لا يقدّمان إلى المجتمع إلاّ إنساناً هزيلاً ضعيف الإرادة فاقد الطموح ، أشبه ما يكون بالنبتة الغضّة في مهبّ الريح ، بل والتبنة الخفيفة الوزن أمام هبوب العاصفة تأخذها يميناً وشمالاً.
وأمّا الذي ينشأ نشأة خشنة محفوفة بالمشاكل والمصائب ، والمصاعب والمتاعب ، فإنّه يكون أشبه بالصخرة الصلبة التي تتكسر عليها كلّ السهام ، وتتحطّم عندها كلّ العواصف أو كما وصف الامام علي عليهالسلام إذ قال :
« ألا انّ الشجرة البرّية أصلب عوداً والروائع الخضرة أرقّ جلوداً ، والنباتات البدوية أقوى وقوداً ، وأبطأ خموداً » (١).
وإلى هذه الحقيقة ذاتها يشير قوله سبحانه :
( فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ( النساء / ١٩ ).
وقوله تعالى :
( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) ( الشرح / ٥ و ٦ ).
وقوله سبحانه :
( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) ( الشرح / ٧ و ٨ ).
أي تعرّض للنصب والتعب بالاقدام على العمل والسعي والجهد كلّما فرغت من العبادة ، وكأنّ النصر والمحنة حليفان لا ينفصلان ، واخوان لا يفترقان.
وخلاصة القول : إنّ القدرة على المقاومة والظفر بالنجاح يتوقّف على صلابة الإنسان الحاصلة من المرور بالصعوبات والمشاق ، ليزداد قوّة إلى قوّة ، وتماسكاً إلى تماسك كما يزداد الحديد صلابة إذا تعرّض لمطرقة الحدّاد ، ولكي يخلص عقله وروحه من علائق الكسل والجمود كما يخلص الذهب من الشوائب إذا تعرّض لألسنة اللهب.
__________________
(١) نهج البلاغة ـ الرسالة رقم ٤٥.