في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات ، حيث كان الناس يلجأون فيها إلى استحداث وسائل الدفاع وفي مواجهة الأعداءِ المهاجمين ، أو اصلاح ما خلّفته الحروب من دمار ونقص وتخلّف ، أو تهيئة ما يستطيعون به على مقاومة الحصار مثلاً.
فقد كانت ـ في مثل هذه الظروف ـ تتفتّق المواهب وتتحرّك القابليّات لملافاة مافات ، وتكميل ما نقص وتهيئة ما يلزم. ومن هنا قالوا : إنّ الحاجة اُمّ الاختراع.
قال العلامة الطباطبائي في هذا الصدد :
« إنّ البحث الدقيق في العوامل المولّدة للسجايا النفسانيّة بحسب الأحوال الطارئة على الإنسان في المجتمعات يهدي إلى ذلك ، فإنّ المجتمعات العائلية والأحزاب المنعقدة في سبيل غرض من الأغراض الحيوية دنيويّة أو دينيّة في أوّل تكوّنها ونشأتها تحسّ بالموانع المضادّة والمحن الهادمة لبنيانها من كلّ جانب فتتنبّه قواها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها ، ويستيقظ ما نامت من نفسيّاتها للتحذّر من المكاره ، والتفدية في طريق مطلوبها بالمال والنفس ، ولا تزال تجاهد وتفدي ليلها ونهارها ، وتتقوّى وتتقدّم حتى تمهّد لنفسها فيها بعض الاستقلال ويصفو لها الجوّ بعض الصفاء ، وتأخذ بالاستفادة من فوائد جهدها » (١).
ثم إنّنا لا ندّعي بأنّ هذه النتائج والثمار توجد دائماً في جميع الحوادث والكوارث ، وإنّما في أغلبها.
فإنّ أغلبيّة هذه المصائب والبلايا تعطي دفعة قويّة لقابليات الأفراد ، وتطرد الكسل عن نفوسهم والجمود عن أفكارهم.
أليس الحديد يزداد قوة وصلابة كلّما تعرّض للنار ، وأليس السيف يزداد حدة وقاطعية كلّما تعرّض للمبرد.
__________________
(١) الميزان ج ٩ ص ١٢٤.