كما ولأجل هذا يعلّل القرآن الكريم بعض النوازل والمصائب بأنّها لفائدة الذكرى ، فالرجوع إلى الله ، والتضرّع إليه.
يقول سبحانه في هذا الصدد :
( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) ( الاعراف / ٩٤ ).
ويقول أيضاً :
( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) ( الاعراف / ١٣٠ ).
فالآيتان تصرّحان بأنّ المصائب والبلايا سبب لتضرّع الإنسان إلى الله ، وتذكّره ، فهو إذا نسي الله في غمار الشهوة والماديّة ، أيقظته المحنة وذكّرته بالله ، إذ بها يدرك أنّه فقير عاجز لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ، وإنّ اللذة الدنيوية لذّة عابرة ، وشهوة متصرّمة ، وإنّه لا ملجأ له ولا معين إلاّ الله.
وهكذا تكون البلايا والمصائب سبباً ليقظة الإنسان ، وتذكّره ، وتنبّهه وتضرّعه إلى الله ، فهي بمثابة صفعة الطبيب على وجه المريض المبنّج الّتي لولاها لانقطعت حياة المريض وتعرّضت لخطر الموت.
وهكذا توجب المحن والمصائب التكامل الاخلاقي كما توجب التفتّح العقلي على ما عرفت في النقطة الأُولى ، وقد يتّخذ الإنسان من النوازل والمحن وسيلة لتذكّره ويقظته والتخلي عن غروره ، وعندئذ تكون البلايا نعماً إلهية في حقّ الإنسان.
وقد لا يتخذ منها أيّ موقف أبداً فتكون في هذه الحالة ـ بالذات ـ مصيبة عليه ، وكارثة في حياته.