وعلى ضوء هذا ينفى عن العرش ما يلازم المادّيّة من كونها من خشب أو معدن أو على صورة خاصّة ، ويبقى ما لا يلازم ذلك كوجود مقام تنتهي إليه أزمّة الاُمور ومنه تصدر الأحكام (١).
ولو صحّت تلك النظرية لكان العرش بعض الخلق لا كلّه ويكون وجوداً مجرّداً لا مادّيّاً حتى يناسب كونه مركزاً لصدور الأحكام ومرجعاً لانتهاء الاُمور إليه.
ومثل ذلك يعدّ من مراتب علمه الفعلي لا الذاتي ، فإنّ لعلمه الفعلي مراتب ودرجات ، ويؤيد هذا التفسير بعض الروايات التي تفسّر العرش بالعلم.
روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام في تفسير قول الله عز وجل : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ). قال عليهالسلام : السموات والأرض وما بينهما في الكرسي ، والعرش : هو العلم الذي لا يقدر أحد به قدره (٢).
روى الكليني بسند صحيح عن صفوان بن يحيى ، قال : سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، فاستأذنته فأذن بي ، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ، ثمّ قال له : أفتقرّ أنّ الله محمول ؟ ، فقال أبو الحسن : كل محمول مضاف إلى غيره محتاج ، والمحمول اسم نقص في اللفظ ، والحامل فاعل وهو في اللفظ ، مدح ... ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قطّ قال في دعائه يا محمول. قال أبو قرّة : ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) وقال : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) فقال أبو الحسن عليهالسلام : العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة ، والعرش كل شيء ، وعرش فيه كل شيء ، ثمّ أضاف الحمل إلى غيره ، خلق من خلقه لأنّه استعبد خلقه بحمل عرشه وهم حملة علمه ، وخلقاً يسبّحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه ، وملائكة يكتبون
__________________
(١) الميزان ج ١٤ ص ١٣٩ ـ ١٤٠ بتغيير طفيف.
(٢) التوحيد : باب ٥٢ الحديث ٢٠.