ولمّا كان السلام من السلامة دعا سبحانه في حقّ يحيى بقوله : ( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) ( مريم / ١٥ ) ، وإنّما خصّ المواطن الثلاثة بالدعاء لأنّ أوحش ما يكون الخلق فيه هو يوم ولد ، ويوم يموت ، ويوم يبعث.
ففي الأوّل يرى نفسه خارجاً عمّا كان فيه ، وفي الثاني يرى قوماً لم يكن عاينهم ، وفي الثالث يرى نفسه في محشر عظيم ، فأكرم الله يحيى في هذه المواضع الثلاثة وخصّه بالسلامة من آفاتها ، والمراد أنّه سلّمه من شرّ هذه المواطن وآمنه من خوفها (١).
أقول : لا شكّ انّ السلام من أسماء الله سبحانه كما هو صريح آية سورة الحشر كما عرفت ، وترديد الراغب فيه لا وجه له ، إنّما الكلام في معناه فهناك احتمالان :
١ ـ أن يكون المراد من السلام انّه ذوالسلام ووصف به مبالغة في وصف كونه سليماً من النقائص والآفات كما يقال رجل عدل.
٢ ـ أن يكون المراد من السلام كونه معطياً للسلامة وهو تعالى خلق الخلق سويّاً وقال : ( مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ) ( الملك / ٣ ) ، وقال : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) ( طه / ٥٠ ).
إنّما الكلام في الفرق بينه وبين « القدّوس » الوارد في الآية أيضاً.
قال سبحانه : ( هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ ) فما هو الفرق بين الاسمين ويحتمل كون القدّوس من صفات الذات ، والسلام من صفات الفعل فهو منزّه ذاتاً وفعلاً عن النقص.
ويحتمل أن يكون القُدُّوس أكثر مبالغة في التنزيه من السلام فهو يشير إلى براءته سبحانه عن جميع العيوب في الماضي والحاضر والمستقبل ، وعن العيب الظاهر والباطن ، ولكن السلام أضيق دلالة من هذا ، فلعلّه مختص بالبراءة عن
__________________
(١) لوامع البينات للرازي : ص ١٨٧ ، نقلاً عن سفيان بن عيينة.