استغناء البشر عن التفكّر الصحيح الموصل إلى ما في الكتاب والسنّة ، فليس فهم الكتاب والسنّة غنيَّا عن التدبّر والامعان ، وليس أصحاب الفلسفة والمنطق من الكفّار والملاحدة ، والواجب على المسلم الواعي هو استماع القول ـ من أيّ ابن اُنثى صدر ـ ثم اتّباع أحسنه.
وعلى كلّ تقدير فابطال الاستدلال العقلي عن طريق الاستدلال العقلي غريب وعجيب جداً ومن قابَلَ التفكّر والتعقّل واقامة البرهنة فقد عارض إنسانيّته وفطرته التي تدعوه إلى الاعتناء بالتفكر الصحيح والتعقّل الرصين عن طريق اعمال الأقيسة الصحيحة من حيث المادة والهيئة.
وبذلك تقف على قيمة عمل أهل الحديث واسلوب دعوتهم إلى المعارف والحقايق حتى إنّ الأشعري لما تاب عن الإعتزال ولحق بأصحاب أحمد بن حنبل ، واستدل على عقيدة أهل الحديث مثل الرؤية وكون أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه ، رفضته الحنابلة قائلة : بأنّ الاستدلال ليس طريقاً دينياً ، وإنّما الطريق البرهنة بالآية والحديث مكان التعقل.
قال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة عن طريق الأهوازي قال : قرأت على عليّ القومسي ، عن الحسن الاهوازي قال سمعت أبا عبد الله الحمراني يقول :
لما دخل الأشعري بغداد جاء إلى « البربهاري » فجعل يقول رددت على الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس وقلت وقالوا وأكثر الكلام فلمّا سكت قال البربهاري : وما أدري ممّا قلت لا قليلاً ولا كثيراً ، ولا نعرف إلاّ ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، فخرج من عنده وصنف كتاب « الابانة » فلم يقبله منه (١).
هذا وإذا بان لك انّ الاستدلال المنطقي على المعارف العقليّة هو طريق
__________________
(١) تعليقة « تبيين كذب المفتري » ص ٣٩١.