مجرّد عن الزمان والمكان ، فوجوده فوق كلّ قيد زماني أو مكاني ، وكلّ من كان كذلك فوجوده غير محدود وغير متناه لأنّ المحدوديّة والتقييد فرع كون الشيء سجيناً في الزمان والمكان ، فهذا هو الذي لا يتجاوز إطار محيطه ، وزمانه ، وأمّا الموجود المجرَّد عن ذينك القيدين ، المتجرّد من إطار الزمان والمكان بل الخالق لهما ، وللمادّة ، فهو فوق الزمان والمكان ، والمادّة ، والمدّة ، لا يحدّه شيء من ذلك العوارض ولا يحصر حاضر منها ، ولهذا لا يمنعه المكان من الإحاطة والسيطرة على ما قبله ، وما بعده.
ولتوضيح هذه الحقيقة نأتي بالأمثلة التالية :
١ ـ إنّ النملة الصغيرة الماشية على سجّادة منسوجة بألوان مختلفة لا يمكنها بحكم صغر جسمها ومحدوديّة حواسّها أن تشاهد إلاّ اللّون الذي تسير عليه دون بقية الألوان.
أمّا الإنسان الواقف على طاولة ، المشرف على تلك السجّادة فإنّه يرى جميع ألوانها ويحيط بكلّ نقوشها دون إستثناء ، لأنّه لا ينظر إليها من زاوية دون زاوية كما هي في تلك النملة.
٢ ـ إنّ الإنسان الجالس في غرفة ، الناظر إلى خارجها من كوة صغيرة ، لا يمكنه مشاهدة إلاّ ناقة واحدة من قافلة النوق والابل التي تمرّ أمام الغرفه بعكس من يقف على سطح تلك الغرفة المشرف على الطريق من شاهق ، فإنّه يرى كلّ ما في تلك القافلة من الإبل والنوق جملة واحدة ، ومن دون أن يمنعه عن ذلك قيد المكان.
٣ ـ إنّ الإنسان الجالس على حافة نهر جار لا يرى إلاّ بعض الأمواج المائيّة التي تمرّ أمام عينيه دون بقيّة الأمواج الكائنة في منبع النهر أو مصبّه بخلاف من يراقب ذلك النهر من طائرة هليكوبتر أو من فوق مكان شاهق ، فإنّه يرى جميع التعرّجات والتموّجات في ذلك النهر جملة واحدة وفي وقت واحد.