ما بينها من فواصل وأبعاد ، يدرك مدى صغر حجمه وضآلة معلوماته وضحالة معارفه.
إنّ أضخم مكتبة توصلّت البشرية إلى تأسيسها في الوقت الحاضر هي الآن في أمريكان حيث تضم عشرة ملايين كتاباً ، وما يقوم في « لينينغراد » ، وما يوجد في متاحف بريطانيا ومع ذلك فإنّ كلّ هذه الكتب لا تتجاوز معلومات البشر حول الأرض وقليل جداً من الفضاء الخارجي.
إنّ ملاحظة كلّ جهاز بسيط أو معقد ـ كقلم أو كومپيوتر ـ يدلّنا على أنّ صانعه عالم بما يسود ذلك الجهاز من القوانين والعلاقات ، كما تدل دائرة معارف ضخمة على علم مؤلّفها وجامعها بما فيها.
إنّ المصنوع بما فيه من اتقان ودقّة ، وتركيب عجيب ونظام بديع ، ومقادير معيّنة يحكي عن أنّ صانعه مطّلع على هذه القوانين والرموز ، عارف بما يتطلبه ذلك المصنون منمقادير وأنظمة.
ومن هنا يشهد الكون ابتداءً من الذرّة الدقيقة إلى المجرّة الهائلة ، ومن الخليّة الصغيرة إلى أكبر نجم ، بما يسوده من أنظمة وقوانين ، وتخطيط بالغ الدقّة ، وتركيب بالغ الاتقان ، على أنّ خالق الكون عالم بكلّ ما تنطوي عليه هذه الأشياء وما يسودها من أسرار وقوانين ، وانّ من المستحيل الممتنع أن يكون جاهلاً.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله :
( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الملك / ١٤ ).
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) ( سورة ق / ١٦ ).
ومن وقف على علم التشريح ظهر له ذلك ظهوراً تامّاً.
__________________
(١) الملك : ١٤.
(٢) ق : ١٦.