ولم يوفّق الإنسان إلاّ إلى كشف بعض سطوحه بما سلّطه من أضواء كاشفة له ، فيما لا تزال أعماقه غير مكشوفة له بل لا يزال القسم الأعظم من سطوحه مجهولة.
إنّ عالم الخلقة أشبه ما يكون بهذا المحيط فإنّ الإنسان رغم ما قام به من جهود جبّارة للتعرّف على حقائقه ، ورموزه ، لم يقف إلاّ على قدر قليل من أسراره بينما لا تزال أكثرها غير معلومة له.
يقول أحد الاختصاصيين في الطبيعة الحيوية والأبحاث النووية :
« لقدكنت عند بدء دراستي للعلوم شديد الاعجاب بالتفكير الإنساني ، وبقوّة الأساليب العلميّة إلى درجة جعلتني اَثِقُ كلّ الثقة بقدرة العلوم على حلّ أية مشكلة في هذا الكون بل على معرفة منشأ الحياة ، والعقل وادراك معنى كلّ شيء ، وعندما تزايد علمي ومعرفتي بالأشياء من الذرة إلى الأجرام السماوية ، ومن الميكروب الدقيق إلى الإنسان ، تبيّن لي أنّ هناك كثيراً من الأشياء التي لم تستطع العلوم حتّى اليوم اَنْ تجدَ لها تفسيراً أو تكشف عن أسرارها النقاب ، وتستطيع العلوم أن تمضي في طريقها ملايين السنين ومع ذلك فسوف تبقى كثير من المشكلات حول تفاصيل الذرّة والكون والعقل كما هي لا يصل الإنسان إلى حلّ لها أو الاحاطة بأسرارها » (١).
وقال أنيشتاين ـ عند ما كان واقفاً على درج مكتبته ـ : « إنّ نسبة ما أعلم إلى ما لا أعلم كنسبة هذا الدرج إلى السماء » (٢).
ويقصد بذلك : انّه لم يتسلّق من درجات العلم والمعرفة سوى درجات معدودة جداً ، وإنّ المسافة بين معلوماته إلى مجهولاته كالمسافة بين الأرض والسماء.
حقاً إنّ الإنسان عند ما يقيس حجمه بأحجام الأجسام والأجرام السماوية ، و
__________________
(١) الله يتجلى في عصر العلم : ص ٣٥ ـ ٣٦ ، بول كلارنس ابرسولد.
(٢) رسالة الاسلام ، السنة الرابع العدد الاول ٢٤.