و أمّا معناه فقد قال « ابن فارس » : يدلّ على فتح شيء وابرازه ومن ذلك « الفطر » بالكسر من الصوم ومنه « الفطر » بفتح الفاء وهو مصدر فطرت الشاة فطراً إذا حلبتها ، ثمّ قال والفطرة الخلقة ، وقال الراغب : أصل الفطر : الشق طولاً ، قال : ( هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ) ( المُلك / ٣ ) أي اختلال ، وقال تعالى : ( السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) ( المزّمل / ١٨ ) ، وفطرت الشاة : حلبتها باصبعين ، وفطرت العجين إذا عجنته وخبزته من وقته ، ومنه الفطرة ، وفطر الله الخلق وهو إيجاده وابداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال.
والمحصّل من كلامهما : إنّ الفطر بمعنى الفتح والشق حتى إنّ نسبة الفطر إلى العجين لأجل أنّه يحتاج إلى البسيط والقبض حتى يكون قابلاً للطبخ.
إنّما الكلام في استعماله في الايجاد والابداع والظاهر أنّ وجه استعماله فيهما هو انّ الخلقة يشبهها بشق العدم وفتحه وإخراج الشيء إلى ساحة الوجود.
يقول العلاّمة الطباطبائي (ره) في تفسير قوله : ( فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : أخرجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود (١).
وقال في موضع آخر : « إنّ اطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعارية كأنّه شق العدم فأخرج من بطنه السموات والأرض. فمحصّل معناه إنّه موجد السمٰوات والأرض ايجاداً ابتدائيّاً من غير مثال سابق ، فيقرب معناه من معنى « البديع » و « المبدع » ، والفرق بين الابداع والفطر ، إنّ العناية في الابداع متعلّقة بنفي المثال السابق ، وفي الفطر بطرد العدم وإيجاد الشيء من رأس لا كالصانع الذي يؤلّف موادّاً مختلفة فيظهر به صورة جديدة فقوله : ( فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) من أسمائه تعالى أجرى صفة لله ، والمراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط ، لأنّ الإيجاد مستمر وفيض الوجود غير منقطع ولو انقطع لانعدمت الأشياء » (٢).
__________________
(١) الميزان : ج ٧ ، ص ٢٩.
(٢) المصدر السابق : ج ١٧ ، ص ٦.