يقول الحكيم السبزواري في هذه الحقيقة الأخيرة :
« الامكان عارض للماهيّة بتحليل من العقل حيث يلاحظها من حيث هي مقطوعة النظر عن اعتبار الوجود وعلّته والعدم وعلّته ، فيصفها بسلب الضرورتين وأمّا عند اعتبارهما فمحفوف بالضرورة والامتناع ، ولا منافاة بين لا اقتضاء من قبل ذات الممكن للوجود والعدم ، واقتضاء من قبل الغير للوجود أو العدم ». قال في منظومته :
عروض الامكان بتحليل وقع |
|
وهو مع الغيريّ من ذين اجتمع (١) |
وعلى ذلك فمعلومه سبحانه وإن كان بين محقّق الوقوع ومحقّق العدم ، أي بين ضرورة الوجود بالنسبة إلى علّته وضرورة العدم بالنسبة إلى عدم علّته ، لكن هذه الضرورة الناشئة من ناحية علّته ، أو من ناحية عدم علّته ، لا يجعل الشيء واجباً بالذات أو ممتنعاً كذلك ، فهو حتى بعد لحوق الضرورة به من جانب علّته ، أو الامتناع من جانب عدم علّته موصوف بالامكان غير خارج عن حدّ الاستواء حسب الذات.
فابن عبّاد لم يفرق بين الواجب بالذات ، والواجب بالغير ، كما لم يفرّق بين الممتنع بالذات والممتنع بالغير ، فما هو المانع من تعلّق القدرة ، هو الوجوب والامتناع الذاتيان ، لا الوجوب والامتناع الغيريّان اللاحقان بالشيء من جانب وجود علّته ومن جانب عدم علّته.
ولو صحّ ما ذكره من الكلام وجب أن لا يوجد في العالم أي موجود موصوف بالقادريّة.
فإنّ كل متصوّر إمّا أن يكون في نفس الأمر محقّق الوجود لوجود علّته التامّة ، أو محقّق العدم لعدم تحقّق علّته التامّة.
__________________
(١) المنظومة : قسم الفلسفة ، ص ٦٩.