وبتقرير رابع : إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانبعاث أشعّة من المرئيّ إلى أجهزة العين وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذات أبعاد ومعرضاً لعوارض وأحكام جسمانيّة وهو المنزّه عن كلّ ذلك (١).
وهذه التقارير الأربعة تعتمد لبّاً على أمر واحد : وهو انّ تجويز الرؤية يستلزم كونه جسماً أو جسمانيّاً غير أنّ الطرق مختلفة ، والأوّل يعتمد على أنّ الرؤية تستلزم أن تكون ذا جهة وحيّز ، والثاني يعتمد على كونه سبحانه متناهية إذا وقعت الرؤية على تمام الذات أو مركّبة إذا وقعت على بعضها ، والثالث يعتمد على أنّها تستلزم الإشارة ، وهو فوق أن يقع في إطارها ، والرابع يعتمد على أنّها تستلزم أن يكون جسماً وذا عوارض جسمانيّة.
والحاصل انّ إثبات الرؤية والأبصار بغير مقابلة وجهة مع كون الرؤية بالعيون والأبصار كالجمع بين وجود الشيء وعدمه نظير تصوّر كون المربّع فاقداً لبعض أضلاعه وهو في الوقت نفسه مربّع تام.
وما ربّما يظهر من بعض محقّقي الأشاعرة من الجمع بين الرؤية وعدم الجهة وما يشابهها محاولة باطلة (٢) لا تليق أن تسطّر.
وربّما يتصوّر أنّ كون ما في الآخرة يغاير ما في الدنيا ، فلعلّ الرؤية هناك متحقّقة بلا جهة واشارة ، وهذا أشبه بالسفسطة ، فإنّ المراد من المغايرة هو كون ما في الآخرة أكمل ممّا في الدنيا ، لا المغايرة من حيث الماهيّة والواقعيّة ، والقواعد العقليّة لا تخصّص بل هي سائدة في الدارين.
__________________
(١) لاحظ أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ص ٨٢ ـ ٨٣ ، واللوامع الالهية : ص ٨١ ـ ٨٢ وقواعد المرام في علم الكلام ـ للشيخ ميثم بن على البحراني المتوفّى عام ٦٨٩ ـ وكشف المراد : ص ١٨٢.
(٢) لاحظ شرح التجريد للفاضل القوشجي.