طريق الفكر واستخدام الدليل ، بل يجده وجداناً من غير أن يحجبه عنه حاجب ، ولا يجرّه إلى الغفلة عنه إلاّ اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها ، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود مشهود لا زوال علم بالكلّية ومن أصله ، فليس في كلامه تعالى ما يشعر بذلك البتة ، بل عبّر عن هذا الجهل بالغفلة وهي زوال « العلم بالعلم » لا زوال أصل « العلم ».
فهذا ما يبيّنه كلامه سبحانه ويؤيّده العقل بساطع براهينه والذي ينجلي من كلامه تعالى أنّ هذا العلم المسمّى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة.
فهناك موطن التشرّف بهذا التشريف ، وأمّا في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه ، ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية فهو سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربّه كادح إلى ربه كدحاً ليلاقيه ، فهو ما زال في طريق هذا العلم لن يتم له حتى يلاقي ربّه.
فهذا هو العلم الضروري الخاص الذي أثبته الله تعالى لنفسه وسمّاه رؤية ولقاء ، ولا يهمّنا البحث من أنّها على نحو الحقيقة أو المجاز ، فإنّ القرائن كما عرفت قائمة على إرادة ذلك فان كانت حقيقة كانت قرائن معيّنة ، وإن كانت مجازاً كانت صارفة ، والقرآن الكريم أوّل كاشف عن هذه الحقيقة على هذا الوجه البديع ، فالكتب السماوية السابقة على ما بأيدينا ساكتة عن إثبات هذا النوع من العلم بالله وتخلو عنه الأبحاث المأثورة عن الفلاسفة الباحثين عن هذه المسائل ، فإنّ العلم الحضوري عندهم كان منحصراً في علم الشيء بنفسه حتى كشف عنه في الإسلام فللقرآن المنّة في تنقيح المعارف الإلهية (١) انتهى.
وما ذكره ( قدس الله سره ) متين وقد سبقه إليه العرفاء الشامخون في تفسير
__________________
(١) الميزان : ج ٨ ، ص ٢٤٩ ـ ٢٥٣ ، طبعة طهران. وأذكر كلام سيّد الموحدين أمير المؤمنين حيث قال : تدركه القلوب بحقائق الإيمان نهج البلاغة : الخطبة ١٧٤.