وتسمية هذا القسم من العلم الذي يجد فيه الإنسان نفس المعلوم بواقعيته الخارجية رؤية مطرّدة.
والله سبحانه في ما أثبت من الرؤية يذكر معها خصوصيّات ويضم إليها ضمائم يدلّنا على أنّ المراد بالرؤية هذا القسم من العلم الذي نسمّيه في ما عندنا أيضاً رؤية كما في قوله : ( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) ( فصّلت / ٥٣ و ٥٤ ).
حيث أثبت أوّلاً : انّه على كل شيء حاضر ومشهود له ، لا يختصّ بجهة دون جهة ، وبمكان دون مكان ، وبشيء دون شيء بل شهيد على كل شيء ، محيط بكل شيء ، لو وجده شيء لوجده على ظاهر كل شيء وباطنه ومع نفس وجدانه وعلى نفسه.
وثانياً يثبت على هذه السمة لقاؤه ، لو كان هناك لقاء لا على نحو اللقاء الحسّي الذي لا يتأتّىٰ البتة إلاّ بمواجهة جسمانية وتعيّن جهة ومكان وزمان.
وبهذا يشعر ما في قوله : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) ( النجم / ١١ ) من نسبة الرؤية إلى الفؤاد الذي لا شبهة في كون المراد به هو النفس الإنسانية الشاعرة دون اللحم الصنوبري المعلّق على يسار الصدر داخلاً.
ونظير ذلك قوله تعالى : ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) ( المطفّفين / ١٤ و ١٥ ).
دلّ على أنّ الذي يحجبهم عنه تعالى رين المعاصي والذنوب التي اكتسبوها فحال بين قلوبهم أي أنفسهم وبين ربّهم فحجبهم عن تشريف المشاهدة ، لولا المعاصي لرأوه بقلوبهم أي أنفسهم لا بأبصارهم وأحداقهم.
فبهذه الوجوه يظهر أنّه تعالى يثبت في كلامه قسماً من الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسيّة وهي نوع شعور في الإنسان يشعر بالشيء بنفسه من غير استعمال آلة حسيّة أو فكرية ، وانّ للإنسان شعوراً بربّه غير ما يعتقد بوجوده من