واحداً ، عندما كان بريق السيوف يشد إليه العيون ، وضربات الطرفين تنتزع النفوس والأرواح في معركة ( الجمل ) ، فأحسّ عليهالسلام بأنّ تحكيم العقيدة وصرف الوقت في تبيينها ليس بأقل أهميّة عن خوض المعارك ضد أهل الباطل :
روى الصدوق أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إنَّ الله واحد ، قال فحمل الناس عليه ، وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ، فقال أمير المؤمنين : « دعوه ، فإنَّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم » ... ثمّ قال شارحاً ما سأل عنه الأعرابي : « وقول القائل واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأنَّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنَّه كفر من قال « ثالث ثلاثة ».
ثم قال : « معنى هو واحد : أنّه ليس له في الأشياء شَبَه ، كذلك ربّنا. وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحَدِيُّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » (١).
فالإمام عليهالسلام لم يكتف ببيان المقصود من توصيفه سبحانه بأنّه واحد ، بل أشار إلى معنى آخر من معاني توحيده وهو كونه أحَدِيّ الذات ، الذي يهدف إلى كونه بسيطاً لا جزء له في الخارج والذهن. وهذا المعنى هو الذي نطرحه على بساط البحث في القسم الثاني من التوحيد الذاتي.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان البراهين العقليّة على توحيده سبحانه بمعنى كونه واحداً لا ثاني له.
__________________
(١) توحيد الصدوق : ص ٨٣ ـ ٨٤.