تعالى فطارد لكل عدم وبطلان. قال عزّ من قائل : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ( الحج / ٦٢ ).
وبتقرير آخر : إنَّ عوامل المحدودية تتمحور في الاُمور التالية :
١ ـ كون الشيء محدوداً بالماهيّة ومزدوجاً بها ، فإنّها حد وجود الشيء والوجود المطلق بلا ماهية غير محدَّد ولا مقيّد وإنّما يتحدّد بالماهية.
٢ ـ كون الشيء واقعاً في إطار الزمان ، فهذا الكم المتّصل ( الزمان ) يحدّد وجود الشيء في زمان دون آخر.
٣ ـ كون الشيء في حيز المكان ، وهو أيضاً يحدّد وجود الشيء ويخصّه بمكان دون آخر.
وغير ذلك من أسباب التحديد والتضييق. والله سبحانه وجود مطلق غير محدّد بالماهيّة إذ لا ماهيّة له كما سيوافيك البحث عنه ، كما لا يحويه زمان ولا مكان ، فتكون عوامل التناهي معدودمة فيه ، فلا يتصوّر لوجوده حدّ ولا قيد ولا يصحّ أن يوصف بكونه موجوداً في زمان دون آخر أو مكان دون آخر ، بل وجوده أعلى وأنبَل من أن يتحدّد بشيء من عوامل التناهي.
وأمّا الكبرى : فهي واضحة بأدنى تأمّل ، وذلك لأنّ فرض تعدّد اللامتناهي يستلزم أن نعتبر كل واحد منهما متناهياً من بعض الجهات حتى يصح لنا أن نقول هذا غير ذاك. ولا يقال هذا إلاّ إذا كان كل واحد متميّزاً عن الآخر ، والتَّمَيّز يستلزم أن لا يوجد الأوّل حيث يوجد الثاني ، وكذا العكس. وهذه هي « المحدوديّة » وعين « التناهي » ، والمفروض أنّه سبحانه غير محدود ولا متناه.
والله سبحانه لأجل كونه موجوداً غير محدود ، يصف نفسه في الذكر الحكيم ب ( الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ( الرعد / ١٦ ) ، وما ذلك إلاّ لأن المحدود المتناهي مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه ، فإذا كان قاهراً من كل الجهات لم تتحكّم فيه