ومن جانب آخر ، الماهيّة إذا لوحظت من حيث هي هي ، فهي غير الوجود كما هي غير العدم ، بشهادة أنّها توصف بالأوّل تارة وبالثاني اُخرى ، ويقال : النبات موجود ، كما يقال : غير موجود. وهذا يوضح أن مقام الحد والماهيّة مقام التخلية عن الوجود والعدم ، بمعنى أنّ الإنسان عند النظر إلى ذات الشيء يراه عارياً عن كل من الوجود والعدم ، ثم يصفه في الدرجة الثانية بأحدهما. وأمّا وجه كون الشيء في مقام الذات غير موجود ولا معدوم ، فلأجل أنّه لو كان في مقام الذات والماهية موجوداً ، سواء كان الوجود جزْءَه أو عَيْنه يكون الوجود نابعاً من ذاته ، وما هذا شأنه يكون واجب الوجود ، يمتنع عروض العدم عليه ، كما أنّه لو كان في ذلك المقام معدوماً ، سواء كان العدم جزءه أو عينه يكون العدم نفس ذاته ، وما هذا شأنه يمتنع عليه عروض الوجود. فلأجل تصحيح عروض كل من الوجود والعدم لا مناص عن كون الشيء في مقام الذات خالياً عن كلا الأمرين حتى يصحّ كونه معروضاً لأحدهما. وإلى هذا يهدف قول الفلاسفة : « الماهيّة من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة ». ومع هذا كلِّه فهي في الخارج لا تخلو إما أنْ تكون موجودة أو معدومة. فالنبات والحيوان والإنسان في الخارج لا يفارق أحد الوصفين. وبهذا تبيّن أنَّ اتّصاف الماهية بأحد الأمرين يتوقّف على علّة ، لكن اتّصافها بالوجود يتوقّف على علّة موجودة ، ويكفي في اتّصافها بالعدم ، عدم العلّة الموجدة. فاتّصاف الماهيات بالأعدام الأزلية خفيف المؤونة ، بخلاف اتّصافها بالوجود فإنّه رهن وجود علّة حقيقية خارجية.
وعلى ضوء هذا البيان يتّضح أنّه سبحانه منزَّه عن التحديد والماهيّة وإلاّ لزم أنْ يحتاج في اتّصاف ماهيته بالوجود إلى علّة (١). وما هذا شأنه لا يكون واجباً بل يكون ممكناً. وهذا يجرّنا إلى القول بأنّه سبحانه صرف الوجود المنزّه عن كل حد.
__________________
(١) وهنا يبحث عن العلّة ما هي ؟ أهي نفس الوجود العارض على الماهية أو وجود آخر. فإن كان الأوّل لزم الدور ، وإن كان الثاني لزم التسلسل. والتفصيل يؤخذ من محلّه. لاحظ الأسفار : ج ١ ، فصل في أنّه سبحانه صِرْف الوجود.