وباختصار ، انّ « البابا » وأنصاره وأعوانه لا مناص أمامهم إلاّ الإنسلاك في أحد الصفّين التاليين : صف التوحيد وأنّه لا إله إلاّ إله واحد ، فيجب رفض التثليث ، أو صفّ الشرك والأخذ بالتثليث ورفض التوحيد. ولا يمكن الجمع بينهما.
ثانياً : إنّ عالم ما وراء الطبيعة وإن كان لا يقاس بالاُمور المادّية المألوفة ، لكن ليس معناه أنَّ ذلك العالم فوضوي ، وغير خاضع للمعايير العقليّة البحتة ، وذلك لأنّ هناك سلسلة من القضايا العقلية التي لا تقبل النقاش والجدل ، وعالم المادة وما وراؤه بالنسبة إليها سيّان ، ومسألة امتناع اجتماع النقيضين وامتناع ارتفاعهما واستحالة الدور والتسلسل وحاجة الممكن إلى العلّة ، من تلك القواعد العامّة السائدة على عالمي المادة والمعنى.
فإذا بطلت مسألة التثليث في ضوء العقل فلا مجال للإعتقاد بها. وأمّا الاستدلال عليها من طريق الأناجيل الرائجة فمردود بأنّها ليست كتباً سماوية ، بل تدلّ طريقة كتابتها على أنّها اُلّفت بعد رفع المسيح إلى الله سبحانه أو بعد صلبه على زعم المسيحيين ، والشاهد أنّه وردت في آخر الأناجيل الأربعة كيفيّة صلبه ودفنه ثم عروجه إلى السماء. واحتمال إلحاق القسم الأخير له يوجب سقوطه عن الاعتبار ، لاحتمال تطرّق التحريف إلى غير الأخير أيضاً.
ثالثاً : إنّهم يعرّفون الثالوث المقدس بقولهم : « الطبيعة الإلهية تتألّف من ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر ، أي الأب والابن وروح القدس ، والأبّ هو خالق جميع الكائنات بواسطة الابن ، والابن هو الفادي ، وروح القدس هو المطهر. وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة وعمل واحد ».
فنسأل : ما هو مقصودكم من الآلهة الثلاثة فإنّ لها صورتين لا تناسب أيّة واحدة منهما ساحته سبحانه :
١ ـ أن يكون لكل واحد من هذه الآلهة الثلاثة وجوداً مستقلاً عن الآخر بحيث