١ ـ إنَّ حقيقة البنوّة هو أن يجزّئ واحد من الموجودات الحيّة شيئاً من نفسه ثم يجعله بالتربية التدريجية فرداً آخر من نوعة مماثلاً لنفسه يترتّب عليه من الخواص والآثار ما كان يترتّب على الأصل ، كالحيوان يفصل من نفسه النطفة ، ثم يأخذ في تربيتها حتى تصير حيواناً. ومن المعلوم أنّه محال في حقّه سبحانه ، لاستلزامه كونه سبحانه جسماً مادّياً له الحركة والزمان والمكان والتركّب (١).
٢ ـ إنّ لإطلاق اُلوهيّته وخالقيته وربوبيته على ما سواه لازم أن يكون هو القائم بالنفس وغيره قائماً به ، فكيف يمكن فرض شيء غيره يكون له من الذات والأوصاف والأحكام ما له سبحانه من غير افتقار إليه ؟
٣ ـ إنّ تجويز الاستيلاد عليه سبحانه يستلزم جواز الفعل التدريجي عليه ، وهو يستلزم دخوله تحت ناموس المادّة والحركة وهو خلف ، بل يقع ما شاء دفعة واحدة من غير مهلة ولا تدريج.
والدقّة في الآيتين التاليتين يفيد كل ما ذكرنا ، قال سبحانه :
( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) ( البقرة / ١١٦ و ١١٧ ).
فقوله سبحانه ( اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ) إشارة إلى الأمر الأوّل.
وقوله سبحانه : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) ، إشارة إلى الأمر الثاني.
وقوله سبحانه : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ ... ) ، إشارة إلى الأمر الثالث (٢).
__________________
(١) ستوافيك أدلة استحالة كونه جسماً أو جسمانياً وما يستتبعانه من الزمان والمكان والحركة.
(٢) لاحظ الميزان : ج ٣ ، ص ٢٨٧.