وقال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( الأنبياء / ٧ ). وأهل الذكر في المجتمع اليهودي هم الأحبار ، والمجتمع المسيحي هم الرُهْبان.
إلى غير ذلك من الآيات الواردة في القرآن الكريم التي تشير إلى أنَّه سبحانه هدى الإنسان ببعث الرسل ، وإنزال الكتب ، ودعوته إلى إطاعة أُولي الأمر والرجوع إلى أهل الذكر.
قال سبحانه مصرّحاً بأنَّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله هو الهادي لجميع أُمّته : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى / ٥٢ ).
وقال سبحانه في هداية القرآن إلى الطريق الأقوم : ( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ( الأسراء / ٩ ).
هذا ، وإنّ مقتضى الحِكْمَة الإلهية أن يعمّ هذا القسم من الهداية العامّة جميع البشر ، ولا يختصّ بجيل دون جيل ولا طائفة دون طائفة.
والهداية العامّة بكلا قسميها في مورد الإنسان ، ملاك الجبر والإختيار ، فلو عمّت هدايته التكوينية والتشريعية في خصوص الإنسان كل فرد منه لارتفع الجبر ، وساد الإختيار ، لأنَّ لكل إنسان أن يهتدي بعقله وما حَفَّهُ سبحانه به من عوامل الهداية من الأنبياء والرسل والمزامير والكتب وغير ذلك.
ولو كانت الهداية المذكورة خاصّة بأُناس دون آخرين ، وأنَّه سبحانه هدى أُمّة ولم يهدِ أُخرى ، لكان لتوهّم الجبر مجال وهو وَهْم واه ، كيف وقد قال سبحانه : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ) ( الأسراء / ١٥ ). وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً ) ( القصص / ٥٩ ). وغير ذلك من الآيات التي تدلّ على أنَّ نزول العذاب كان بعد بعث الرسول وشمول الهداية العامّة للمُعَذّبين والهالكين ، وبالتالي يدلّ على أنَّ من لم تبلغه تلك الهداية لا يكون مسؤولاً إلاّ بمقدار ما يدلّ عليه عقله ويرشده إليه لبّه.