ولأجل ذلك نرى أنَّه سبحانه بعد ما يقول : ( فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ) ، يذيّله بقوله : ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( إبراهيم / ٤ ) ، مشعراً بأنَّ الإضلال والهداية كانا على وفاق الحكمة ، فهذا استحقّ الإضلال وذاك استحقّ الهداية.
بقي هنا سؤال ، وهو إنَّ هناك جملة من الآيات تعرب عن عدم تعلّق مشيئته سبحانه بهداية الكل ، قال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَىٰ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ ) ( الأنعام / ٣٥ ).
وقال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) ( الأنعام / ١٠٧ ).
وقال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) ( يونس / ٩٩ ).
وقال سبحانه : ( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ( النحل / ٩ ).
وقال سبحانه : ( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) ( السجدة / ١٣ ).
والجواب : إنَّ هذه الآيات ناظرة إلى الهداية الجبرية بحيث تسلب عن الإنسان الإختيار والحرية فلا يقدر على الطرف المقابل ، ولمّا كان مثل هذه الهداية الخارجة عن الإختيار منافياً لحكمته سبحانه ، ولا يوجب رفع منزلة الإنسان ، نفى تَعَلُّق مشيئته بها ، وإِنَّما يُقَدَّرُ الإيمان الذي يستند إلى اختيار المرء ، لا إلى الجبر.
* * *
بلغ الكلام هنا صبيحة يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأوّل عام ١٤١٠ ه ق بيد مؤلّفه « جعفر السبحاني » ابن الفقيه الشيخ « محمد حسين السبحاني » عاملهما الله بلطفه الخفي.