وقال سبحانه : ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ) ( البقرة / ٢٦ ).
وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ ) ( النساء / ١٦٨ و ١٦٩ ).
وقال سبحانه : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( الصف / ٥ ).
فالمراد من الإضلال هو عدم الهداية لأجل عدم استحقاق العناية والتوفيق الخاص ، لأنّهم كانوا ظالمين وفاسقين ، كافرين ومنحرفين عن الحق. وبالمراجعة إلى الآيات الواردة حول الهداية والضلالة يظهر أنَّه سبحانه لم ينسب في كلامه إلى نفسه إضلالاً إلاّ ما كان مسبوقاً بظلم من العبد أو فسق أو كفر أو تكذيب ونظائرها التي استوجبت قطع العناية الخاصّة وحِرمانه منها.
إذا عرفت ما ذكرنا ، تقف على أنَّ الهداية العامّة التي بها تناط مسألة الجبر والإختيار عامّة شاملة لجميع الأفراد ، ففي وسع كل إنسان أن يهتدي بهداها. وأمّٰا الهداية الخاصة والعِناية الزائدة فتختصّ بطائفة المنيبين والمستفيدين من الهداية الاُولى. فما جاء في كلام المستدل من الآيات من تعليق الهداية والضلالة على مشيئته سبحانه ناظرٌ إلى القسم الثاني لا الأوّل.
أمّا القسم الأوّل فلأنّ المشيئة الإلهية تعلّقت على عمومها بكل مكلّف بل بكل إنسان ، وأمّا الهداية فقد تعلّقت مشيئته بشمولها لصنف دون صنف ، ولم تكن مشيئته مشيئة جزافية ، بل المِلاك في شمولها لصنف خاص هو قابليته لشمول تلك الهداية ، لأنَّه قد استفاد من الهدايتين التكوينية والتشريعية العامّتين ، فاستحقّ بذلك اللطف الزائد.
كما أنَّ عدم شمولها لصنف خاص ما هو إلاّ لأجل اتّصافهم بصفات رديئة لا يستحقّون معها تلك العِناية الزائدة.