إنّ الإرادة صفة كمال لا لأجل كونها حادثة طارئة منقضية بعد حدوث المراد ، وإنّما هي صفة كمال لكونها رمز الإختيار وسمة القاهريّة حتى أنّ الفاعل المريد المكره له قسط من الاختيار ، حيث يختار أحد طرفي الفعل على الآخر تلو محاسبات عقليّة فيرجّح الفعل على الضرر المتوعّد به ، فإذا كان الهدف والغاية من توصيف الفاعل بالإرادة هو اثبات الاختيار وعدم المقهوريّة فتوصيفه سبحانه بكونه مختاراً غير مقهور في سلطانه ، غير مجبور في إعمال قدرته ، كاف في جري الإرادة عليه ، لأنّ المختار واجد لكمال الإرادة على النحو الأتمّ والأكمل ، وقد مرّ أنّه يلزم في اجراء الصفات ترك المبادئ والأخذ بجهة الكمال ، فكمال الإرادة ليس في كونها طارئة زائلة عند حدوث المراد ، أو كون الفاعل خارجاً بها عن القوّة إلى الفعل ، أو من النقص إلى الكمال ، بل كمالها في كون صاحبها مختاراً ، مالكاً لفعله آخذاً بزمام عمله فلو كان هذا هو كمال الإرادة ، فالله سبحانه واجد له على النحو الاكمل إذ هو الفاعل المختار غير المقهور في سلطانه ، ( وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ ) ( يوسف / ٢١ ) ، وليس هذا بمعنى انّها وصف سلبي وهو كونه تعالى غير مغلوب ولا مستكره ، كما نقل عن النجّار (١) بل هي وصف وجودي هو نفس ذاته والتعبير عنه بوصف سلبي لا يجعله أمراً سلبياً كتفسير العلم بعدم الجهل ، والقدرة بعدم العجز.
إجابة عن سؤال :
ويمكن أن يقال : إنّ تفسير الإرادة بالاختيار يستلزم نفس ما يستلزمه تفسير الإرادة بالعلم فعلى كلا التفسيرين الإرادة بمفهومها الحقيقي منفيّة عن الذات الإلهية.
والإجابة عن هذا السؤال واضح بملاحظة ما قدّمناه من التحليل في تفسير صفاته سبحانه فإنّ الصفات الكماليّة تحمل على الله سبحانه بحذف نقائصها وزوائدها لا بالمفهوم الحرفي الابتدائي الذي يتبادر إلى الأذهان مثلاً إنّا نصفه سبحانه بالحياة وإنّه حي ، ومن المعلوم أنّ ما يتبادر من الحياة هو ما نعرفه في النبات بالدفع
__________________
(١) كشف المراد ص ١٧٧.