[الخمس] وهل هو زائد على العلم؟ الحق أنه كذلك في حقنا لوجهين :
الاول : انا نجد تفرقة ضرورية بين علمنا بحرارة النار وبين لمسنا لها ، فان لمسنا مؤلم والعلم بها من غير اللمس غير مؤلم.
الثاني : لو لم يكن زائدا على العلم مغايرا له لكان كل موصوف به موصوفا بالعلم ، واللازم باطل ، فان الحيوانات العجم موصوفة بالادراك وغير موصوفة بالعلم ، والملازمة ظاهرة.
ثم تلك الزيادة هل هي راجعة الى تأثير الحاسة أو الى أمر آخر؟ ذهب الحكماء والمعتزلة الى الاول ، لان في الادراك تأثر الحاسة وتصور ذلك الشيء ، فالتصور هو العلم ويبقى التأثر.
وقالت الاشاعرة : راجعة الى المعنى الذي يخلقه الله تعالى ، وباعتباره يحصل الادراك ، وهو باطل كما يجيء. وقيل : غير ذلك وهو ان الادراك مغاير للعلم ، لان العلم حصول صورة الشيء في العقل ، فهو لا يكون علما الا اذا كان أمرا كليا ، بخلاف الادراك فانه يكون للجزئيات ، فيكون مغايرا له حاصلا في آلة النفس.
والتحقيق هنا أن الجزئيات الشخصية لا تدرك بالحدود والبراهين ، لتألف (١) الحدود والبراهين عن التصورات الكلية ، ولا يمكن اقتناص الشخصيات من الكليات ، لعروض التغير والفساد لها ، والكليات بعيدة عن ذلك والحد والمحدود والبرهان ، وما عليه البرهان يجب تطابقهما وتناسبهما ، فمتعلقهما ليس هو الشخصيات ، بل مدرك الشخصيات الحواس ، ومدرك الكليات العقل. وقد وقع الاصطلاح على [وضع] اسم العلم على الصنف الثاني والادراك على
__________________
(١) فى «ن» : لتأليف.