فنقول : ان الانسان الذي لم يكن عالما بالمسألة ثم ظهرت له ، يحصل له حالة لم تكن حاصلة من قبل ، وهي ظهور المسألة له. فالعلم عبارة عن ظهور الاشياء وانكشافها للنفس ، وعلم الله تعالى بالاشياء عبارة عن ظهورها له وانكشافها لا بمعنى أنها لم تكن ظاهرة ثم ظهرت وانكشفت ، بل بمعنى أنها ظاهرة لذاته غير غائبة أزلا وأبدا. ولا يتغير ذلك الانكشاف والظهور ، فيعلم الثابت ثابتا والمتغير حاصلا في حينه غير حاصل في غيره من الاحيان ، «فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء» (١) ، من غير أن يحصل لذاته المقدسة حلول صفة فيها ، أو تغير من حال الى حال.
اذا عرفت هذا فاعلم أن المصنف استدل على كونه عالما بوجهين :
الاول : أنه فعل أفعالا محكمة متقنة ، وكل من كان كذلك فهو عالم ، فالله تعالى عالم ، والمتقدمتان ضروريتان.
أما الصغرى : فالحس يدل عليها ، لان المراد بالاحكام هو الترتيب العجيب والتأليف اللطيف المستجمع لخواص كثيرة ، المشتمل على منافع (٢) عظيمة وذلك ظاهر في العالم فانه اما فلكي أو عنصري ، والاحكام ظاهر في القسمين.
أما الفلكي فبين لمن تأمل خلق الافلاك ونضدها وترتيبها ، وما يترتب على حركاتها من وجود الليل والنهار ، وما يحصل فيهما من الافعال العجيبة.
وأما العنصري فلانه اما بسائط أو مركبات ، والاحكام أيضا ظاهر في القسمين ، خصوصا في بنية الانسان ، كما قال الله تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٣) وذلك بين لمن نظر في علم التشريح.
__________________
(١) اقتباس من سورة يونس : ٦١.
(٢) فى «ن» فوائد.
(٣) سورة الذاريات : ٢١.