لا نسلم أنه لو لم يكن موصوفا به لا تصف بضده ، لجواز خلو المحل عن الضدين كالهواء ، فانه لكونه جسما يصح اتصافه بالسواد والبياض ، ولا يلزم من عدم اتصافه بأحدهما اتصافه بالآخر ، نعم يلزم من عدم اتصافه به اتصافه بعدمه ، لكن لم قلتم [ان] عدم الادراك نقص في حقه تعالى.
والقياس على الشاهد لم يتم ، فان حسن الصورة في الشاهد من صفات الكمال ، وليست في الغائب كذلك ، ولا يلزم من عدم اتصافه به نقص.
وأيضا فانا نمنع كبرى القياس ، أعني كل حي يصح أن يدرك ، فان كثير من الاحياء قد انتفى عنه الادراك ، فان السمك وكثير من الهوام لا سمع لها ، والعقرب والخلد لا بصر لهما ، والديدان لا سمع لها ولا بصر ، فلا يتم المدعى.
والاولى أن نقول : لما دل الدليل النقلي على اتصافه بالادراك آمنا بذلك ورأينا أن حقيقته اللغوية يفتقر الى الآلات الجسمانية ، وهي مستحيلة عليه تعالى فعلمنا أن المراد ليس حقيقته اللغوية ، فتعين حمله على المجاز ، وهو العلم. لانه أقرب المجازات إليه ، لانه اطلاق اسم السبب على المسبب ، فيكون المراد به كونه عالما بالمدركات ، ويدل على ثبوت هذا الوصف له ما تقدم من كونه عالما بكل المعلومات ومن جملتها المدركات.
قوله «واحتجاج النفاة» الخ اشارة الى حجة الفلاسفة المانعين من وصفه تعالى بالادراك وتقريرها : انه لو كان الباري تعالى موصوفا بالادراك لزم اتصافه بالآلات الحسية ، واللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة : ان الادراك البصري اما بخروج الشعاع أو الانطباع ، وكلاهما مفتقر الى الآلة. وكذا الادراك السمعي يتوقف على حصول التموج الى الصماخ ، وكذا باقي الادراكات وهو ظاهر. فلو كان تعالى موصوفا بالادراك لكان له آلة حسية ، وهو محال.