الثانية : قالت الاشاعرة : الكلام عندنا مقول على قسمين : الاول الكلام الحسي ، وهو ايجاد الحروف والاصوات الدالة على المعاني كما ذكرتم. والثاني المعنى التي تعبر عنه بتلك الحروف والاصوات ، وهو الكلام النفسي كما أشار إليه الشاعر :
ان الكلام لفي الفؤاد وانما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
أما القسم الاول فلا نزاع فيه. وأما الثاني فيدل على ثبوته أنه ثبت أن الالفاظ موضوعة بإزاء الصور الذهنية ، فاذا نطق أحدنا بخبر فذلك المدلول عليه ليس هو الاعتقاد ، لانه قد يخبر بما لم يعتقده ، وليس هو القدرة ولا العلم وهو ظاهر ، ولا الإرادة لان الشخص قد يأمر بما لا يريد ، كما في قصة الامر لعبده اقامة لعذره عند السلطان حين يوعده على ضربه ، فانه طالب غير مريد لطاعته ، فان طاعته مستلزمة لعقوبة السلطان له ، والعاقل لا يريد ضرر نفسه ، وظاهر أن غير ذلك من الصفات ليست مما وضع له اللفظ ، فبقي أن يكون لمعنى آخر ، وهو «الكلام النفساني» ويدل على تسميته كلاما البيت المذكور.
وحينئذ نقول : لما دل الدليل على كونه متكلما ، فلا جائز أن يكون كلامه هو القسم الحسي ، لان كلامه صفته ، وصفة الشيء تقوم به ، لكن الحسي لا يقوم به ، فلا يكون صفته ، فبقي أن يكون هو القسم النفسي وهو المطلوب ، والله تعالى متكلم بمعنى أنه قائم به ذلك المعنى النفسي.
قالت المعتزلة : لا شك أن المتبادر الى الاذهان من قولنا تكلم فلان ليس الا ايجاد الحروف والاصوات ، وذلك مما لا شك فيه ، ولهذا لو قال شخص عن الاخرس والساكت أنهما متكلمان كذبه العقلاء في ذلك ، ولو كان الكلام ما ذكروه لما ساغ لهم تكذيبه ، لان الساكت والاخرس لهما ذلك المعنى ، والمراد من البيت المذكور تخيل الكلام ، والا لكان الاخرس متكلما ، مع أنه كلام