ادراكا فان (١) لذته أبلغ وأوفر ، ولا ريب أن ادراك القوة العقلية للمعقولات أتم من ادراك الحس للمحسوسات ، لان القوة العقلية تصل الى كنه المعقول ، وتفضله الى أجزائه وذاتياته ، وتتحد به وتصير هي هو على وجه ، والحس انما يدرك ظاهر الاشياء من السطوح والاعراض ، فلا جرم تكون اللذة العقلية أعظم وأبلغ من الحسية.
الرابعة : أن كمال كل شيء وجماله هو أن يكون على ما يجب له بالنسبة الى ذاته ، وأن واجب الوجود لكونه مبدأ لكل كمال ، وسبب كل بهاء وجمال له الكمال الاكمل والبهاء الاجمل ، وأن كل بهاء وجمال وكمال وخير مدرك ، فهو محبوب ومعشوق.
واذا تقررت هذه المقدمات ظهر أن واجب الوجود الذي هو في غاية الكمال والجمال والبهاء ، الذي يعقل ذاته على تلك الغاية من الكمال بأتم تعقل تكون لذاته أعظم عاشق لمعشوق ، وأبلغ لاذ للملتذ ، لكونه أعظم مدرك لاجل مدرك بأتم ادراك.
وأما الثالث : فاعلم أن المصنف (رحمهالله تعالى) قال : انه يستحيل عليه الالم واللذة مطلقا ، واستدل على ذلك : أما الالم فلانه ادراك المنافي ولا منافي له تعالى ، لان جميع ما عداه لوازم ومعلولات له ، فتكون واجبة الاجتماع معه ، فلا تكون منافية.
قيل : فيه نظر من وجهين : الاول : ان من جملة ما عداه الممتنعات ، وليس معلولة ولا لازمة له. الثاني : انه مدرك للمعدوم ، أي عالم به ، والعدم مناف له ، فيكون مدركا للمنافي ، فيكون متألما.
أجيب عن الاول بأن مرادنا بما عداه الامور الحاصلة صورها عنده ،
__________________
(١) فى «ن» : كان.