أمر بالانفاق من الرزق ، والله تعالى لا يأمر بالانفاق من الحرام ، اذ التصرف في الحرام منهي عنه فلا يقع مأمورا به (١).
وفي هذا الدليل نظر : أما أولا فالمنع من كون «ما» للعموم في الخبر.
وأما ثانيا فلانا نمنع كون «من» في الآية للتبيين ، لان شرطها أن تكون بعد اسم مبهم نحو قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٢) وليس هنا كذلك ، بل هي للتبعيض ، فيكون قد أمر بانفاق بعض الرزق ، فلا يدل على المطلوب ، وعلى تقدير تسليم العموم وكون «من» للتبيين يجوز تخصيص العام بما ذكرتم.
واعلم أن الرزق يجوز طلبه ، بل قد يجب كما اذا لم يكن ثم وجه غيره ، وقد يستحب ، وقد يباح ، وقد يحرم كما اذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه ، وقد يكره كما اذا اشتمل على ما ينبغي التنزه عنه.
ثم ان الرزق قد يكون تفضلا منه تعالى ، بأن لا يكون للمكلف فيه لطف ، وقد يكون فيه لطف وذلك فيما يجتهد في تحصيله ، ووجه لطفيته أن يحصل للطالب عقيبه ، بأن المنافع الدنيوية انما يحصل بالتعب ، ففي الاخروية أولى.
وذهب الصوفية الى أنه لا يجوز السعي في طلبه.
والدليل على ما قلناه من وجوه :
الاول : أن طلب الرزق مما يدفع به الضرر عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس واجب.
الثاني : قوله تعالى (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٣) وقوله
__________________
(١) ومدح تعالى بقوله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) سورة البقرة : ٣.
(٢) سورة الحج : ٣٠.
(٣) سورة الجمعة : ١٠.