الثالث : أن الله تعالى أباح نوحا (١) عليهالسلام تأخير الختان الى وقت الكبر ، وحرمه على غيره من الأنبياء ، وأباح لابراهيم تأخير ختان ولده اسماعيل وحرم على موسى عليهالسلام تأخير الابناء (٢) عن سبع أيام ، وأباح آدم الجمع بين الاختين ، وحرمه على موسى عليهالسلام. وكل ذلك نسخ صريح.
احتجت اليهود (أخزاهم الله تعالى) بوجوه :
الاول : أن المأمور اما أن يكون مصلحة أو مفسدة ، ان كان مصلحة استحال نسخه ، والا لكان نسخه مفسدة ، وهو قبيح. وان كان مفسدة استحال الامر به باتفاقكم لكنه أمر به ، فيكون مصلحة ، فلا نسخ.
الثاني : أن موسى عليهالسلام قال : تمسكوا بالسبت أبدا. وذلك دليل دوام شرعه ، واذا كان شرعه دائما استحال نسخه ، والا لزم كذبه ، وهو محال.
الثالث : أن موسى عليهالسلام اما أن يكون قد بين دوام شرعه ، أو بين انقطاعه ، أو لم يبين شيئا من الامرين. والقسمان الاخيرين باطلان فتعين الاول وهو أنه بين دوام شرعه ، فيستحيل نسخه.
وأما بطلان القسم الثاني : فلانه لو بين انقطاع شرعه لوجب نقله ، كما نقل باقي جزئيات شرعه خصوصا ، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله ، لكنه لم ينقل فلم يبين انقطاعه وهو المطلوب.
وأما القسم الثالث : فلانه أمر بالتمسك بشرعه أمرا مطلقا ، وقد تقرر في الاصول أن الامر المطلق لا يقتضي التكرار ، بل يدل على طبيعة الفعل ، فاذا وقع جزئي من جزئياته حصل المطلوب ، لوجودها في ضمن ذلك الجزء ، فليكف في شرعه المرة الواحدة ، وهو باطل ، فاطلاقه الامر باطل.
__________________
(١) فى «ن» : لنوح.
(٢) فى «ن» الأنبياء.