كثرة الصوارف والموانع الداخلة والخارجة ، كالشهوة والغضب والاشتغال بالاهل والولد ، وأما الملائكة فلانهم مبرءون عن الشهوات والغضب وغير ذلك من الموانع عماهم بصدده ، ولا شك أن العبادة مع العائق أشق منها مع عدم العائق. وأما الثاني : فلقوله عليهالسلام «أفضل العبادة أحمزها» أي أشقها فيكون القائم بها أفضل ، وهو المطلوب.
احتجت المعتزلة بوجهين : الاول ـ قوله تعالى (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (١) ووجه الاستدلال أن ابليس رغب آدم عليهالسلام من الاكل من الشجرة رجاء حصول الملائكة له بقوله (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أو (تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) أي لو أكلتما لحصل لكما أحد هاتين المرتبتين فنها كما كراهة حصولها لكما ، وهذا يدل على أن الملائكة أعلى مرتبة من الأنبياء.
الثاني ـ قوله تعالى (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢) ووجه الاستدلال أن العرب قد جرت عادتهم بأنهم اذا أرادوا تعظيم شخص بنفي فعل من الغير يقدموا الادنى ويتبعونه بالاعظم ، كما يقال فلان لا يرد الوزير ، قوله «بل ولا السلطان» وتأخير النفي في الآية يدل على ما قلناه.
والجواب عن الاول : أن المراد ما نهاكما الا إرادة أن تتشبها بالملك في عدم الاغتذاء ، فتكونا مجردين ، فتحصل لكما الكمالات النفسانية ، وهو كاره أن تكونا من الخالدين ، ويحصل لكما الكمالات البدنية ، وهو ليس بناصح فيما أراد حصوله لكما وأنا أدلكما على ما يحصل لكما الكمالات النفسية (٣) والبدنية
__________________
(١) سورة الاعراف : ٢١.
(٢) سورة النساء : ١٧٢.
(٣) فى «ن» : النفسانية.