الثاني : أن الواجب لا يكفي في وجوبه وجه وجوبه ، بل لا بد مع ذلك من انتفاء سائر وجوه القبيح والمفاسد عنه ، لاستحالة وجوب ما يشتمل على مفسدة وان اشتمل على مصلحة ، والا لكان الله تعالى فاعلا للمفسدة ، وهو قبيح.
وحينئذ نقول : الامامة على تقدير تسليم لطفيتها لا يكفي ذلك في وجوبها ، بل لا بد مع ذلك من انتفاء وجوه المفاسد منها ، فلم قلتم بانتفائها؟ ولم لا يجوز اشتمالها على نوع مفسدة لا نعلمها؟ وحينئذ لا يمكن الجزم بوجوبها عليه تعالى.
وأما صغراه : فلانا نمنع كون الامام لطفا مطلقا ، بل اذا كان ظاهرا مبسوط اليد جاز الانزجار عن المعاصي ، والانبعاث على الطاعات انما يحصل (١) بظهوره وانبساط يده وانتشار أوامره ، لا مع كونه خائفا مستورا.
والجواب عن الاول : انا نختار أن الامام لطف لا يقوم غيره مقامه ، كالمعرفة بالله تعالى فانها لا يقوم غيرها مقامها ، والدليل على ما قلناه أن العقلاء في سائر البلدان والازمان يلتجئون في دفع المفاسد الى نصب الرؤساء دون غيره ، ولو كان له بدل لالتجئوا إليه في وقت من الاوقات أو بلد من البلدان.
وعن الثاني : أن وجوه القبح والمفاسد معلومة محصورة لنا ، وذلك لانا مكلفون باجتنابها ، والتكليف بالشيء من دون العلم به محال ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، ولا شيء من تلك المفاسد موجود في الامامة.
وفي هذا الجواب نظر : فانه انما يصلح جوابا لمن قال بوجوبها على الخلق كأبي الحسين ، لا لمن قال بوجوبها على الله تعالى كاصحابنا ، فانه انما يجب عليه تعالى أن يعرفنا المفاسد اذا كانت من أفعالنا [أو من لوازم أفعالنا] ، لئلا يلزم ما لا يطاق كما ذكرتم ، أما اذا لم تكن من أفعالنا بل من فعله فلا يجب أن يعرفنا المفسدة اللازمة لو كانت [ثابتة] وحينئذ يجوز أن لا يكون نصب الامام
__________________
(١) فى «ن» : وهما انما يحصلان.