والعقاب ان لم يتنافيا لم ينف أحدهما الاخر ، وان تنافيا اجتمع الوجود والعدم في كل منهما ، لان المنافاة ثابتة من الطرفين ، وليس انتفاء السابق بالطارئ أولى من العكس.
احتجوا : بأنه لو لا الاحباط لحسن ذم من كسر قلم من أنعم عليه بأنواع متعددة لا تحصى.
والجواب : المنع من قبح الذم على هذا القدر اليسير.
أقول : المؤمن المطيع اذا كفر زال استحقاق ثوابه اجماعا ، والكافر اذا آمن زال استحقاق عقابه اجماعا. واختلف في المؤمن اذا فعل ما يستحق به عقابا هل يجتمع له استحقاق ثواب واستحقاق عقاب أم لا؟ فقالت المرجئة والامامية والاشاعرة : نعم يمكن ذلك ، وقال جمهور المعتزلة لا يمكن ذلك لما يأتي من شبهتهم ، ولذلك قالوا بالاحباط والتكفير ، فالاحباط هو : خروج فاعل الطاعة عن استحقاق المدح والثواب الى استحقاق الذم والعقاب.
والتكفير هو : خروج فاعل المعصية عن استحقاق الذم والعقاب الى استحقاق المدح والثواب.
ثم أن أبا علي الجبائي من المعتزلة قال : ان المكلف اذا استحق خمسة أجزاء من الثواب ، ثم فعل [فعلا استحق به] خمسة أجزاء من العقاب ، فان الخمسة الطارية ـ أعني العقابية ـ أسقطت الخمسة الاولى وبقيت هي.
وابنه أبو هاشم يقول : ان الطارية تسقط الاولى وتعدم هي أيضا ، وان كان السابق أزيد من الطاري أسقط الطاري ما قابله وعدم هو وبقي الزائد ثابتا ، كما لو كانت الاولى في مثالنا ستة ، يبقى له جزء. وعلى هذا يسمى هذه «الموازنة» والحق مذهب الاولين واستدل المصنف على حقيته بوجهين :
الاول : أن القول بالاحباط والتكفير ملزوم الباطل فيكون باطلا ، أما