أقول : في هذا البحث مسائل :
الاولى : في بيان حقيقة التوبة ، اذ التصديق مسبوق بالتصور ، فيتوقف البحث فيها على تصور حقيقتها فنقول :
ذهب أبو هاشم الى أن التوبة عبارة عن الندم على فعل المعصية الماضية (١) والعزم على تركها مستقبلا ، فحقيقتها مركبة من ندم خاص وعزم خاص.
وقال قوم : ان حقيقتها هو الندم الخاص ، أي على فعل المعصية الماضية وأما العزم فغير داخل في حقيقتها. ثم اختلفوا في العزم حيث أنه غير داخل هل هو شرط أم لا؟ فقال بعضهم : انه شرط. وقال محمود الخوارزمي : انه غير شرط ، ويمكن أن يكون لازما ، فتحصل من هذا الكلام أن النادم غير العازم ليس بتائب اتفاقا ، وانما الخلاف في أن عدم توبته لزوال جزء التوبة ، أو لزوال شرطها ، أو لزوال لازمها. وقد عرفت الاقوال كما حكيتها ، ولذلك وقع الاجماع على أن العازم غير نادم ليس بتائب ، وحينئذ الخلاف لا يجدي نفعا طائلا.
وتحقيق الحال أنه لا بد في التوبة من ندم في الحال وترك في الحال وعزم على عدم العود في الاستقبال ، وحينئذ يجوز أن يجعل العزم جزءا أو شرطا أو لازما. ولا يضر ذلك من حيث المعنى ، ويظهر من كلام المصنف اختيار قول أبي هاشم ، ولكل قوم حجة على مدعاهم هي بالمطولات أشبه.
الثانية : هل التوبة واجبة من جميع الذنوب كبائر أو صغائر أو عن الكبائر لا غير؟ ذهب أصحابنا وأبو علي الجباني الى الاول ، وذهب أبو هاشم الى الثاني.
__________________
(١) فى «ن» : ماضيا.