احتج أصحابنا : بأن التوبة دافعة لضرر معلوم أو مظنون ، وكلما كان كذلك فهو واجب ، ولانها اما عن فعل محرم أو ترك واجب ، وهما قبيحان ، وكل قبيح يجب تركه ، ولعموم قوله تعالى (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (١) والامر للوجوب ، وهو المطلوب.
حجة أبي هاشم : أن التوبة انما تجب لدفع الضرر ، وهو غير حاصل في الصغائر.
والجواب : المنع من عدم حصول الضرر بها.
الثالثة : في أقسام التوبة اعلم أن التوبة اما عن ذنب في حق الله تعالى ، أو عن حق آدمي ، فان كان الثاني فاما أن يكون ذلك الذنب ظلما أو اضلالا ، فان كان الاول فاما أن يكون حقا ماليا أو دما أو عرضا ، فان كان الاولين لم يتحقق التوبة الا بالخروج الى المستحق ، أو ورثته من ذلك المال ، أو تسليم نفسه للقصاص ، أو الاستيهاب والعفو والعزم على ذلك مع تعذره.
وان كان الثالث فان كان قد بلغ المغتاب أنه ثلب عرضه أولا ، فان كان الاول فلا بد من العذر إليه والاتهاب منه ، وان كان الثاني كفى الندم على ذلك وروي أنه يستغفر له كلما ذكره. وان كان الثاني وهو أن يكون اضلالا فلا تصح التوبة الا بعد أن يبين له أن قوله ذلك باطل.
وان كان في حق الله تعالى فاما أن يكون عن فعل القبيح كشرب الخمر مثلا فيكفي فيه الندم والعزم المتقدمان ، أو ترك واجب فاما أن يكون وقته باقيا فالتوبة منه فعله كالزكاة والحج ، أو خرج وقته فاما أن يجب قضاؤه كالصلاة اليومية فالتوبة الاشتغال بالقضاء ، أو لا يجب كصلاة العيدين فالتوبة الندم المتقدم.
الرابعة : هل يصح التوبة من قبيح دون قبيح أم لا؟ ذهب أبو علي الجبائي
__________________
(١) فى «ن» : اشتراك.