أما الاول : فقد نفاه قوم غير محققين ، وهو خطأ ، فان بديهة العقل تشهد بأن الجسم ينتقل من مكان الى آخر ومن جهة الى أخرى ، والانتقال من العدمي الى العدمي (١) محال. وأيضا فانا نحكم قطعا بالنقلة مع بقاء الجسم بأعراضه ولوازمه ، فلا بد من شيء ينتقل عنه وإليه ، وليس هو الجسم بالضرورة ، ولا جزء الجسم ، لان الجزء ينتقل بانتقال الكل فيكون خارجا عنه ، فيكون موجودا وهو المطلوب.
وأما الثاني : فقال المتكلمون : هو الفراغ المتوهم الذي تشغله الاجسام بالحصول فيه. وقال أفلاطون : هو البعد المفطور. وقريب منه تفسير المتكلمين ، لكن البعد عند أفلاطون موجود مجرد ينفذ فيه الجسم ، وعند المتكلمين مفروض.
وقال أرسطو واتباعه : انه السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوى. ويرد على هذا محدد الجهات ، فانه ليس له هناك مكان على هذا التفسير ، مع أنه جسم ، وكل جسم لا بد له من المكان.
واختار المحقق الطوسي وأبو البركات مذهب أفلاطون وحققه المصنف ، والذي يدل على ذلك أن المعقول من المكان ليس الا البعد ، فانا اذا فرضنا أن الكون خاليا من الماء ، تصورنا الابعاد التي يحيط بها جرم الكوز ، بحيث اذا ملئ شغلها بجملتها ، بحيث (٢) أن الابعاد توصف بالملاءة والفراغ الموصوف بهما هو المكان ، فيكون المكان هو الابعاد ، وأيضا فان الامارات الشهيرة في المكان ، من كونه منتقلا عنه وإليه ، وكونه مساويا للمتمكن ومناسبا له في أقطاره الثلاثة ، وكونه يتعاقب عليه وغير ذلك ، انما يقال للبعد فيكون هو المكان ،
__________________
(١) فى «ن» : من العدم الى العدم.
(٢) فى «ن» : ثم.