أحضر باب مدرسته غير مرة فأرجع من الباب احتشاما من أن أدخل عليه ، فإذا تجاسرت مرة ودخلت كنت إذا بلغت وسط المدرسة يصحبنى شبه خدر ، حتى لو غرزت فىّ إبرة لعلى كنت لا أحس بها ، ثم إذا قعدت لواقعة وقعت لى لم أحتج أن أسأله بلسانى عن المسألة فكنت كلما جلست كان يبتدئ بشرح واقعتى.
هكذا كان التلميذ مع أستاذه ، فهل نتعلم منه؟ وهل نعلّم هذا أبناءنا وأحفادنا؟.
وعند ما بلغ القشيرى مرتبة الاجتهاد ـ علما وفقها ـ ووصل إلى مستوى أعالى الرجال صدقا ومعرفة أذن له شيخه بالتدريس وعقد له مجلسا للعلم فى مسجد المطرز ، وقد بلغ من العمر ثلاثين عاما.
ولم يشغله التدريس عن التأليف فكان يقسم وقته بينهما مما أنتج أحلى وأجل الكتب العلمية التى استفاد منها الناس ، وما زالوا يستفيدون.
هذا هو القشيرى ، الرجل الفاضل ، والمربى الكريم.
وعلى الرغم من ذلك لم يسلم ـ وهكذا عظماء الرجال الذين يسبقون عصرهم ـ نقول : لم يسلم من الأذى ، فقد قبض عليه ونفى وأهين ومنع من التدريس.
وبعد أن أفرج عنه ساح فى البلاد معلما إلى أن وصل إلى الخليفة العباسى ، القائم بأمر الله ، والّذي قربه منه وعقد له مجالس ، كان يحضرها.
سافر الإمام القشيرى إلى الحج واجتمع بالإمام الجوينى بمكة ، والّذي دعاه إلى الخطابة فى بيت الله الحرام ، فأعجب الخلق به وانتفعوا.
بعد ذلك عاد إلى بلاده خراسان ، والّذي أعجب به أميرها ألب أرسلان ، الّذي كان يقربه ويقدمه.