فمن شأن الواعظ إن تكلم فى هذه الآية أن يذكر شيئا من مبادئ الوحى ثم يقرنه بشيء من البيانات ثم يذكر طرفا من بدايات المشايخ ويورد فى كل فن ما يليق به من الحكايات والنكت.
ونحن نذكر طرفا فى هذا الباب من هذا الجنس إن شاء الله تعالى.
واعلم أن تفكير العبد فى ابتداء أمره يحمله على خالص الشكر لربه من قلبه ، قال الله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) (إبراهيم : ٥) الآية ، أى بنعم الله ، وكل الأحوال والأوقات ، وقال تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (مريم : ٦٧) وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون : ١٢) ذكره الله تعالى نفسه لئلا يعجب بحالته وجرده عن كل فضيلة ، ولهذا قال المشايخ : عرفهم مقدارهم لئلا يتعدوا أطوراهم ، وقال : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) ثم قال : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (٢) ثم قال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (النحل : ٥٣) جردك أولا وعرّاك ثم أخبرك بما عرّفك من العلوم والفهوم ، وأعطاك ثم ذكّرك عظيم ما أنعم به عليك وأولاك ، وفى معناه يقول المنشى :
سقيا لمعهدك الّذي لو لم يكن |
|
ما كان قلبى للصبابة معهدا |
فمن أين كان لك العرفان والإسلام والإيمان والطاعة والإحسان والاستدلال والبرهان، لو لا ما ألبسك من التوفيق وأخلص لك من التحقيق ، وأهلك له من التصديق ، قال الله سبحانه (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) (الفتح : ٢٦) ثم اعلم أن سنة الله تعالى مع عباده فى بدء أحوالهم تختلف ، فمنهم