فإن صح هذا المعنى فى نعته فهذه العبارة تصلح للتفسير دون التحديد ، وإنما قلنا ذلك لحصول الإجماع على أنه لم يزل إلها ، وإن هذا الوصف ليس مما استحقه لفعل أظهره ولا لمعنى حصل فيما لا يزال ، كوصفنا له بأنه خالق ومعبود (١) ، ولم يكن فى الأزل من صح منه الفزع إليه ، ولأنه إله من يصح منه الفزع ومن لا يصح ، كالجمادات والأعراض ، ومن لا عقل له ولا تمييز ، فيصح منه القصد إليه بالفزع.
ومن أخذ بهذا القول على الوجه الّذي بينا أنه يصح ، فمن عرف معبوده سبحانه بأنه هو الّذي يفزع إليه فى الحوائج أعرض عمن سواه ، ولم يأخذ من دونه فى دنياه وعقباه ، وعلامة صحة ذلك أن يؤثر رضاه على هواه ، ثم يعرف بأنه وإن جد واجتهد فالعجز والتقصير قصاراه ، فإن تداركته الرحمة فالجنة مأواه ، وإن حق بالعذاب الكلمة عليه فالنار مثواه.
فالعبد إذا التجأ إلى ربه بقلبه دون أن يستبد بتدبيره ولبه ، أو يستعين بأقرانه وصحبه، تعجلت له الكفاية فى عاجله وتحققت له من الله الولاية فى آجله ، وفى بعض الحكايات : لو رجعت إليه فى أول الشدائد ، لأمدك بفنون الفوائد ، لكنك رجعت إلى أشكالك فزدت فى أشغالك.
__________________
(١) معانى سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بثبوت منها حتى ينطلق عليه الاسم كالرحيم والعليم والحليم والصبور والشكور وغيره ، وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر تباين إطلاقه على الله ، وأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصا لا يتصور فيه مشارك لا بالمجاز ولا بالحقيقة ، ولأجل هذا الخصوص توصف سائر الأسماء بأنها اسم الله ، ويعرف بالإضافة إليه فيقال الصبور والشكور والجبار والملك من أسماء الله ، ولا يقال الله من أسماء الصبور والشكور ، لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعانى الإلهية وأخص بها فكان أشهر وأظهر ، فاستغنى عن التعريف بغيره وعرف غيره بالإضافة إليه.