يكن فى الأزل غيره فيحتجب عنه ، ولأنه إله الجمادات والأعراض ولا يجوز أن يكون المحجوب محجوبا إلا عمن يجوز أن يكون رائيا ، والجماد والعرض لا يكون رائيا ، والبيت الّذي استدلوا به غير معروف.
فإن قال قائل : أردت بالاحتجاب أنه منع المبصرين من إدراكه ورؤيته ، فيكون هذا القول صحيحا فى وصفه ، وإن لم يجز أن يكون حدا له لكونه فى الأزل إلها ولم يكن معه من منعه وحجبه ، فعلى هذا ، من علم أنه منع المبصرين عن إدراكه ورؤيته فشرطه أن يكون متحققا باطلاع الحق سبحانه عليه فيكون مراقبا لربه ، وعلامته أن يكون محاسبا لنفسه ، ومن لم تصح محاسبته لنفسه لم تصح مراقبته لربه.
وسئل بعضهم عما يستعين به العبد على حفظ البصر فقال : يستعين عليه بعلمه بأن رؤية الله تعالى له سابقة لنظره إلى ما ينظر إليه.
وقيل : إن امرأة راودت طاوسا اليمانى عن نفسه ، فقال لها ، وكانا بمكة : تعالى إلى المسجد الحرام ، فلما دخلت معه المسجد قال لها : اقضى ما تريدين ، قالت : فكيف مع رؤية هؤلاء الناس بأسرهم؟ قال : فكيف لا أستحي ولا تستحيين من رؤية الله تعالى ، قال : فتابت تلك الساعة وحسنت حالتها.
وهكذا صفة من كان من أولياء الله تعالى ، لا يكون بينه وبين أحد شيء إلا ويصير سبب نجاته حقا كان أو باطلا ، وفى هذا المعنى حكى عن أبى سعيد الخراز أنه قال : كنت فى بدايتى حدثا حسن الوجه ، فكان رجل من الشطار الجبارين يؤذينى فى بلدى ، فعزمت على السفر وخرجت من البلد ، فبينا أنا أمشى إذ أنا به وقد لحقنى ، وأخذ يؤذينى ، فقلت له : إما أن تنصرف عنى أو أطرح نفسى فى هذه البئر ، فلم ينصرف ، قال : فألقيت نفسى فى بئر كانت هناك ، قال : فأمسكنى الله وسط تلك البئر فى الهواء ، قال : فنظر ذلك الرجل