وقد حكى أن فيما مضى من الزمان كانوا يعبدون شجرة ، فخرج رجل من المسلمين من بيته وركب حمارا له وأخذ فأسا بيده وقصد إلى قطع تلك الشجرة ، غيرة فى الدين وحمية ، فتمثل له إبليس فى صورة رجل فقال له : إلى أين تريد يا عبد الله؟ فقال : أقلع تلك الشجرة التى تعبد من دون الله غيرة منى فى الدين ، فقال له : لا تفعل ، بل انصرف وأنا أضع تحت وسادتك كل ليلة درهمين ، فطمع الرجل فيه وانصرف ، فأصبح ولم يجد شيئا ، فلبث اليوم الثانى والثالث فلم يجد شيئا ، ثم بعد أيام خرج مغضبا ، وقد أراد حرده ، فاستقبله إبليس فقال له : إلى أين تريد؟ فقال : الشجرة ، فقال له إبليس : إنك لو درت حولها لو قصت عنقك ، إنك لما فات من حظك حردت ، والمرة الأولى ما كان يقاومك أحد ، فانصرف راشدا.
ثم إن من كان بوصفه التعظيم لربه أورثته تلك الحالة شفقة على خلقه ، فيتحمل الأذى بطيب نفس من الكل ، ولهذا قال سهل ، رحمهالله تعالى : الصوفى : من كان دمه هدرا وملكه مباحا والخلق فى الدنيا جيرانك فى السجن ، بل رفقاؤك فى السفر ، فأحسنهم خلقا أشرفهم قدرا.
وقد حكى عن مالك بن دينار أنه استأجر دارا من يهودى ، فحول اليهودى مستحمه فى الدار التى كان فيها إلى بيت كان على البيت الّذي فيه مالك ، وإذا الجدار مهدم تدخل النجاسة إلى بيت مالك فى محرابه ، يقصد بذلك أذاه ، ومالك ينظف البيت كل ليلة ويكنسه ولم يقل شيئا ، حتى أتى على ذلك مدة ، فعرف صبره فدخل عليه ، فقال: ما الّذي صبّرك على مقاساة هذه المشقة دون أن تخبرنى بذلك ، فقال : قول نبيناصلىاللهعليهوسلم : «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظنت أنه سيورّثه» قال : فأسلم اليهودى وحسن إسلامه.