الحقيقة ، فإن كون اللفظ فى الشيء توسعا ومجازا لا يمنع أن تكون أحكام ذلك المسمى فى الشريعة على الحقيقة ، كلفظ الاستنجاء فى الاستنظاف توسع ، ثم لا يمنع أن تكون أحكام الاستنجاء فى الشريعة على الحقيقة.
وقول المخالفين فى حد الملك أنه القدرة على الإطلاق لا يصح لأنه يجب على قضيتهم أن يكون الغاصب مالكا للمغصوب لكونه قاهرا على الغصب ، وهذا محال ، وقول من قال : حقيقة الملك جواز التصرف فى الشيء على الإطلاق احترازا من الولى والوصى والوكيل لأنهم لا يتصرفون على الإطلاق بل يتصرفون بالإذن لا يصح ، لأن الصبى مالك على الحقيقة والمجنون والمحجور عليه مالكان على الحقيقة ، ولا يصح منهم التصرف فبطل ما قالوه.
هذا طرف من الكلام فى معنى الملك والمالك مما يتعلق باللغة ومسائل الأصول ، فأما ما يتعلق من الكلام فيه بطرائق التذكير فعلى أقسام :
منها : أن يقال إن العبد إذا تحقق أن الملك لله تعالى تنكب عن وصف الادعاء وتبرأ من الحول والقوة فى تسليم الأمر لمالكه ولم يعول على اختياره ، ولم يفزع إلى احتياله عند طلب الخلاص من مهالكه ، فلا يقول : بى ، ولا يقول : لى ، ولا يقول : منى.
__________________
ـ وسائر أعضائه ، فإذا ملكها ولم تملكه ، وأطاعته ولم يطعها ، فقد نال درجة الملك فى عالمه ، فإن انضم إليه استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم إليه فى حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك فى العالم الأرضى ، وتلك رتبة الأنبياء عليهمالسلام ، فإنهم استغنوا فى الهداية إلى الحياة الآخرة عن كل أحد إلا عن الله ، واحتاج إليهم كل أحد ، يليهم فى هذا الملك العلماء ، وهم ورثة الأنبياء ، وإنما ملكهم بقدر قدرتهم على إرشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد ، وبهذه الصفات يقرب العبد من الملائكة فى الصفات ، ويتقرب إلى الله تعالى بها ، وهذا الملك عطية للعبد من الملك الحق الّذي لا مثنوية فى ملكه.