ماهية الإيمان من الإقرار والمعرفة والخضوع وترك الاستكبار والمحبة واجتناب الكبائر ، فإذا استوفى جميع ذلك من نفسه وقف عند الدعوى ، فإذا قيل له : أمؤمن أنت؟ يقول : إن شاء الله ، فيكون قائما بحق المعنى قاعدا عن وصف الدعوى.
واعلم أن الموافقة فى الأسماء لا تقتضى المشابهة فى الذوات ، فيصح أن يكون الحق سبحانه مؤمنا والعبد يكون مؤمنا ، ولا يقتضي مشابهة العبد الرب ، ألا ترى أن الخلافين يشتركان فى الاسم ولا يشتبهان فى المعنى (١).
ومما يتعلق بهذا الباب من طريق التذكير أن يقال : إن الملوك يأبون أن يجسر أحد من رعيتهم أن يتسمى باسم الملك ، والله سبحانه سمى نفسه المؤمن وسمى العبد مؤمنا وسمى عباده المؤمنين ، وهذا لطف منه سبحانه بهم ، وقيل ينادى غدا فى القيامة مناد : إن كل من هو سمىّ نبى من الأنبياء من المؤمنين فليدخل الجنة ، فيبقى أقوام من المؤمنين فيقال لهم : من أنتم؟ فيقولون : نحن
__________________
(١) حظ العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه ، بل يرجو كل خائف الاعتضاد به فى دفع الهلاك عن نفسه فى دينه ودنياه كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه» وأحق العباد باسم المؤمن من كان سببا لأمن الخلق من عذاب الله بالهداية إلى طريق الله والإرشاد إلى سبيل النجاة ، وهذه حرفة الأنبياء والعلماء ، ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنكم تتهافتون فى النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم» ولعلك تقول على الحقيقة من الله فلا مخوف إلا إياه ، فهو الّذي خوف عباده ، وهو الّذي خلق أسباب الخوف ، فكيف ينسب إليه الأمن ، فالجواب : أن الخوف منه والأمن منه ، وهو خالق سبب الخوف والأمن جميعا ، وكونه مخوفا لا يمنع كونه مؤمنا ، كما أن كونه مذلا لا يمنع كونه معزا ، بل هو المعز والمذل ، وكونه خافضا لا يمنع كونه رافعا ، بل هو الخافض الرافع ، فكذلك هو المؤمن المخوف ، ولكن المؤمن ورد به التوقيف به خاصة دون المخوف ، وكما قلنا فإن أسماء الله تعالى توقيفية لا بد من ورود خبر بها.