فالعزيز من يمتنع فيشكر ، ويبتلى فلا يشكو من يعرفه ولا يضجر ، يستلذ لحكمته الهوان ، ويستحلى منه الحرمان دون الإحسان ، وفى معناه أنشدوا :
وأهنتنى فأهنت نفسى صاغرا |
|
ما من يهون عليك ممن يكرم |
أشبهت أعدائى فصرت أحبهم |
|
إذا كان حظى منك حظى منهم |
وكان الدقاق ، رحمهالله تعالى ، كثيرا ما يقول : إنما يستعذب الأولياء البلوى للمناجاة مع المولى.
واعلم أن القلوب مجبولة على أن تتحمل المشاق من الأكابر والأعزة ، والانقياد إلى أحكام من تجل رتبته بمواطأة القلب حتم مستحسن ، ولهذا قيل : إنما يعرفه عزيزا من أعز أمره وطاعته ، فأما من استهان بأوامره فمن المحال أن يكون متحققا بعزة مولاه.
وفى هذا المعنى حكى أن رجلا قال لبعض العارفين : كيف الطريق إليه؟ فقال : لو عرفته عرفت الطريق إليه ، فقال : أتراني أعبد من لا أعرفه؟ فقال المسئول : أو تعصى من تعرفه.
وقيل لبعضهم : ما علامة أنك تعرفه؟ فقال : لا أهم بمخالفته إلا نادانى من قلبى مناد : أستحي منه.
وقيل لبعضهم : متى عرفته؟ فقال : ما عصيته منذ عرفته.
وقيل : العزيز من لا يرتقى إليه وهم طمعا فى تقديره ولا يسمو إلى صمديته ، فهم قصد إلى تصوير ، وقيل العزيز من ضلت العقول فى بحار عظمته ، وحارت الألباب دون إدراك نعمته ، وكلت الألسن عن استيفاء مدح جلاله ، ووصف جماله ، وفى معناه أنشدوا :