وأما المصور فمن التصوير ، وهو تمييز الشيء على صورة ، يقال : صوّره إذا جعله على صورة ، وصور الأمر أى قدره ، ويقال : صاره يصيره ويصوره إذا أماله هو ، من قوله : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) (١) ورجل صير شير إذا كان ذا صورة وشارة حسنة ، والصور جمع صورة ، وعليه يحمل قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (٢) أى فى الصّور على بعض التأويلات ، والصور أيضا هو القرن الّذي ورد به الخبر أنه ينفخ فيه الملك ، والله تعالى مصور الخلق ومقدرهم ومدبر العالم ومعبدهم.
وإذا عرف العبد أن الله تعالى برأه من البر الّذي هو التراب وأنه لم يكن شيئا ولا عينا فجعله شيئا وعينا فبالحرى أن لا يعجب بحاله ولا يدل بأفعاله ، بل لا يبتهج بصفو حاله وقد أشكل عليه حكم مآله.
وكيف لا يتواضع من يعلم أنه فى الابتداء نطفة وفى الانتهاء جيفة ، وفى الحال صريع جوعه ، وأسير شبعه ، وجماله وحسنه يختلف فى أطواره فى قميص إن أمسك عن الأكل ساعة تغير عليه خلوفه ، وإن عرق فى سعيه سطع بغير المستطاب صنان إبطه ورائحة جلده ، ثم إذا شاهد نقص نفسه عرف جلال ربه ، قال الله تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٣) وقال تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (٤) وأحد ما قيل فى قوله تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) هو أن تفكر فتعلم كيف زين العضو الّذي لا يزال ظاهرا على مجرى العادة من أعضائك ، وهو وجهك ، وستر الوحشة منك ، وفيه تقوية للأمل والرجاء بأن يديم معك هذه السنة فى إسداء النعم وإكمال الكرم ، فإن
__________________
(١) البقرة : ٢٦٠.
(٢) الكهف : ٩٩.
(٣) الذاريات : ٢١.
(٤) القيامة : ١٤.