وإذا علم العبد أنه هو الفتاح والقاضى بين عباده تجنب سبل الظلم وتنكب عن جميع الجور تحققا بأنه يحاسب على الصغير والكبير ، ويطالب بالنقير والقطمير.
يحكى عن بعض الصالحين أنه قال لولده يوما : لى إليك حاجة ، فقال : وما هى؟ قال : أن تقول بالمساء كل ما قلته بالنهار ، فتكلف الابن ذلك اليوم ، وحفظ ما قاله للناس وأعاد إلى أبيه ، فلما أصبح قال له أبوه مثل ذلك ، فقال له الابن : عذبنى بما شئت ولا تكلفنى هذا ، فإنى لا أطيقه ، فقال الأب : يا بنى ، إذا كنت لا تطيق محاسبة أبيك ليوم واحد ، مع هذا اللطف ، فكيف تطيق محاسبة عمرك يوم لا يسمع من الجواب إلا ما كان صادقا.
ويقال : إن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة ينادى : إن الله تعالى يقول : أنا ظالم إن جاوزنى اليوم ظلم ظالم.
فإذا علم العبد أنه مسئول عن جميع أفعاله وأقواله استعد لذلك اليوم ، فلا يعمل ما يخاف عليه العتاب ويخشى لأجله العقاب.
وقد روى فى الخبر أنه لا يزول قدم عبد من مكانه (١) حتى يسأل عن ثلاث : يقال : شبابك فيم أبليته ، وعمرك فيم أفنيته ، ومالك من أين جمعته وفيم أنفقته.
وفى هذا المعنى تسلية للمظلومين ، وتفريج لكربة الممتحنين ووعيد شديد على الظالمين.
قال ابن عباس فى معنى قوله سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)(٢) ما نزلت هذه الآية إلا وعيدا للظالم وتسلية للمظلوم.
وأما من علم أنه الفتاح للأبواب الميسر للأسباب الكافى للخطوب المصلح
__________________
(١) أى يوم القيامة.
(٢) إبراهيم : ٤٢.