واثقا بجميل اختباره سبحانه متحققا بأن ما قسم له لا يفوته ، والّذي لم يحكم له به لا يدركه ، وإنما تنحصر الأحوال على من كان غائبا عن شهود التقدير فيضيف بعض الحادثات إلى الخلق ، ويرى البعض من الحق فأما من رأى الأشياء كلها من الحق سبحانه فإنه تهون عليه الأمور من وجه وتصعب من وجه لأنه يعلم أنه يعد أنفاسه ويعلم ظواهره وحواسه.
حكى عن بعضهم أنه قال : قصدت الخواص فى بعض أوقات أصابتنى فيها فاقة ومجاعة وكان معى جماعة أصابهم من المجاعة ما أصابنى ، فقلت فى نفسى : أباسط الشيخ فى أحوالى وأحوال هؤلاء الفقراء ، قال : فلما وقع بصر الخواص عليّ قال لى : الحاجة التى جئتنى فيها الله عالم بها أم لا؟ فقلت : بل هو عليم ، قال : إذا فادفعها إليه ، قال : فسكت ثم انصرفت ، فلما وافيت المنزل فتح علينا بأرزاق كفتنا ذلك اليوم.
وإذا علم العبد أنه سبحانه مطلع على سره عليم بأمره يكتفى من سؤاله برفع همته إليه وإحضار الحاجة بقلبه لربه من غير أن ينطق بلسانه أو يعرب ببيانه.
حكى أن رجلا جاء إلى أبى يزيد البسطامى وقال : أيها الشيخ ، إن الناس قد احتاجوا إلى المطر فادع الله يرزقهم ذلك ، قال أبو يزيد : يا غلام ، أصلح الميزاب ، فلم يفرغ الغلام من إصلاح الميزاب حتى جاء المطر ولم يتكلم بشيء.
وحكى أن رجلا ولد له مولود ببغداد بالليل ولم يكن له شيء فخرج إلى معروف الكرخى ، وكان فى مسجده ، فذكر له حاله فقال : اقعد هناك ، فظهر له مشغل من الدجلة ، فلم يزل يقرب منه حتى انتهى إلى مسجد معروف ، فإذا بخادم معه صرة فقال : أنا قهرمان من دار الخليفة بعثنى بهذه الدنانير إليك لتصرفها فى أمر من تريد ، فقال : ادفعها إلى ذلك الرجل ، فقال : إنها ثلاثمائة دينار ، كأنه استكثر دفعها إلى رجل واحد ، فقال له معروف : كذا أردنا أن تكون.