العبد على الشكر فسمى جزاء الشكر شكرا كما سمى جزاء السيئة سيئة فى قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١) ويصح أن يقال ، وهو الّذي أختاره وأرتضيه : إن حقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه ، ثم العبد يثنى على الرب بذكر إحسانه الّذي هو نعمته ، فيكون ثناؤه عليه شكره له ، فعلى هذا التأويل معنى اسمه الشكور المبالغة فى الوصف له بالثناء على عبده ومدحه له بذكر إحسانه وطاعته ، وقيل : إن الشكور فى وصفه بمعنى أنه يعطى الثواب الكثير على اليسير من الطاعة ، والعرب تقول : دابة شكور ، إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف ، وناقة شكرة وشكرى إذا كانت ممتلئة الضرع ، ونبت شكور إذا كان يجتزئ بيسير من الماء ، ويقال : كثر شكير الرجل أى عياله ، وشكير الشجر القضبان التى تنبت فى أصل الشجر ، فإذا الأصل فيه الزيادة فى اللغة على وصف مخصوص على ما جرى بيانه فى هذه الألفاظ ، والله تعالى يجازى العبد على اليسير من الطاعات بالكثير من الدرجات ، قال تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢) والله سبحانه أنعم على العباد بجميع ملاذ الدنيا وكرائمها ثم عد ذلك قليلا فقال تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) (٣) ويقبل اليسير من طاعة العباد ويثنى عليهم بالكثير ، قال تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) (٤) وترى كم كان عمرهم حتى عد ذكرهم كثيرا؟ وكذلك شكر لصاحب موسى حيث خطا لأجله خطوات فقال عز اسمه : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) (٥) جاء فى التفسير أنه جاء من قرب.
__________________
(١) الشورى : ٤٠.
(٢) الحاقة : ٢٤.
(٣) النساء : ٧٧.
(٤) الأحزاب : ٣٥.
(٥) القصص : ٢٠.